«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كان ذلك قبل عقود بعيدة وفي مدينة الهفوف كان «الحمالي سالم» يقطع الطريق المترب حاملاً على ظهره ما يكلف به من المتسوقين في السوق من حمل مشترواتهم المختلفة وفي عصرية شتائية راح رذاذ المطر الخفيف ينثر في المكان برودة محببة ويلتصق بتراب الطريق دافعاً به إلى الهدوء والاسترخاء نتيجة لاختلاطه برذاذ المطر ولم يكن بين «الحمالي سالم» وبين «السيارة الفورد البكب» التي أوقفها صاحبها في زاوية بجواراحد أبراج السور الشهير في المدينة إلا مسافة تحتاج منه أن يحث الخطى حتى يصل إليها سريعاً وليعود أدراجه إلى السوق منتظراً زبوناً آخر.. لقد اعتاد «سالم» أن يضع على رأسه (خيشة) تمتد حتى منتصف جسده لحمايته من المطر وحتى أثار ما يحمله من أشياء مختلفة. في نفس الوقت كان مدير شرطة الأحساء رحمه الله «سالم شوقي» كان يطيب له في بعض الأوقات الجلوس على دكة من الجص أمام دائرة الشرطة وكان يتسم على الرغم من حزمه وشخصيته العسكرية الجادة بروح دعابة لا مثيل لها.
وروى لي شخص معرفة ما حدث في تلك العصرية من حادثة طريفة شهدها المكان والزمان وحتى الأجواء المشبعة برذاذ المطر الشتائي والسوق يعج بالمارة والسابلة وأصوات العربات وإذا بالحمالي سالم وكان من الحمالين المشاهير الذين امتازوا باللطف وحب «الغشمرة» إلا أنه كان يعاني من حساسية مفرطة في حالة لمسه أو وخزه في جنبه..؟! ولحظة مروره وهو يحمل على ظهره «حمولته» الكبيرة من أمام مجلس مدير الشرطة سالم شوقي فراح أحدهم مداعباً إياه تحت جنبه عندها اختل توازنه وسقط على الأرض وتناثرت حمولته من الأغراض التي كان يحملها.. وتجمع الناس حوله وارتفعت الأصوات والصراخ التي تكاد تصم الآذان وهي تردد: سالم يا سالم.. سالم يا سالم، وعندها تعالى صوت الحمالي سالم وهو يئن إثر إصابته برضوض وكدمات مختلفه واندفع إليه بعض المارة لمساعدته وهم يرددون: سالم.. سالم.. وكان يجيبهم وهو يصرخ ويئن: سالم تبن.. سالم تبن .عندها سمعه مدير الشرطة والذي حملته الأفكار لحظتها إلى الاعتقاد بأنه يسمع «الحمالي» يشتمه بكل وقاحة وخسة.. ولم يتردد أن أرسل إليه أحد الجنود لإحضاره ومعاتبته وربما معاقبته وعندها وقف «الحمالي سالم» وفرائصه ترتعد وأسنانه تصطك وجسده الواهن من تعثره يشكو في صمت معاناته ونظرات مدير الشرطة تخزه بحدة. ويكاد يخرج من خلف نظارته المقعرة الشرر.. فقال له: أنا سالم تبن. فرد «الحمالي سالم» في انكسار وضعف شديدين: أنا يا عمي والله العظيم ما أقصدك أنت أنا اسمي سالم.. أنا سالم تبن.. وأنت سالم ذهب وفضه..!! عندها ضحك سالم شوقي وأخرج من جيبه «ريال» فضة وأعطاه إياه.. عندها طالعه سالم (التبن) مبتسماً وأسرع مقبلاً رأسه وهو يقول آه يا عمي يا ليتني أطيح كل يوم وآخذ ريال فضة..؟!!.