محمد آل الشيخ
تقول أنباء قبل أمس الجمعة إن تميم أمير قطر اتصل بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأبدى رغبته بأن يجلس مع الدول الأربع المقاطعة للحوار حول تنفيذ المطالب الثلاث عشرة التي وضعتها الدول الأربع شرطا لإلغاء المقاطعة، وعودة المياه إلى مجاريها. وبمجرد أن بثت وكالة الأنباء السعودية الخبر تفاءلنا خيرا، آملين أن تكون قطر قد ثابت إلى رشدها، وتخلت عن دعم الإرهاب، وتفهمت لماذا اضطرت دول المقاطعة لاتخاذ هذه الخطوات التصعيدية وغير المسبوقة تجاهها.
إلا أن هذا الخبر لم يأخذ إلا ساعة واحدة، حتى جاء الخبر ذاته على وكالة الأنباء القطرية، بصيغة مختلفة ومغلوطة وغير حقيقية، فحواه أن الأمير محمد بن سلمان هو من طلب الحوار وليس أمير قطر، الأمر الذي يُظهر نية مبيتة للمماطلة والخداع والمغالطة، وعدم إظهار الحقيقة كما هي للشعب القطري والعالم، وهذا ما لا يمكن إطلاقا للمملكة قبوله، فإذا كان القطريون صادقين في رغبتهم للحوار فلماذا يحرفون صياغة الخبر؛ وهو ما يذكرنا بالمقولة الشهيرة للملك عبدالله رحمه الله لتميم نفسه (إنت كذاب مثل ابوك).
ويبدو أن تميم ومن خلفه الحمدين، شعروا بالحرج الشديد أمام القطريين، فقد ظلوا طوال الثلاثة أشهر من عمر الأزمة يرددون أنهم أقوى من أن يستجيبوا لمطالب المقاطعة التي يسمونها (حصارا)، وأن الفرس والأتراك هم من أغاثوهم بكل ما يحتاجون إليه من متطلبات الحياة، كما (ادّعوا) أن أوضاعهم الاقتصادية على ما يرام ولم تتأثر، رغم هروب كثير من المستثمرين إلى دول الخليج الأخرى؛ فالسوق الاستهلاكية القطرية صغيرة وتكاليف الإنتاج باهظة، ولن تُغري الشركات الضخمة التي كانت تعتمد في وجودها في قطر على الأسواق الخليجية الأخرى وبالذات أسواق المملكة. كما أن المستثمر القطري شعر بالخوف وأخرج أمواله إلى أسواق ذات نمو ريعي أفضل.
وعلى أية حال فإن تغيير صيغة الخبر بشكل يوحي بغير حقيقته، يحتمل احتمالين: الاحتمال الأول تعمد الكذب والغش والاحتيال وعدم الوفاء بالالتزامات فيما لو اضطروا لها كما هي عادتهم. والاحتمال الثاني أن ثمة خلاف بين من يصنعون القرار السياسي في قطر؛ فالقرار في تلك الدولة الصغيرة جغرافيا وديموغرافيا يشارك فيه إضافة إلى تميم والده حمد، وحمد بن جاسم، وكذلك القرضاوي رئيس التنظيم الدولي للإخوان. وقرار المقاطعة الذي اتخذته الدول الأربع انعكس بشكل متفاوت على كل طرف من أطراف صناعة القرار حسب مصالحه؛ فتميم يقولون إنه يرى التهدئة وعدم التصعيد. أما الحمدين (شخصيا) يدركان أنهما مستهدفان بتمويل الإرهاب، ودعم ما يسمى الربيع العربي، ويعرفان أن أي تراجع يعني أن الاتهامات ستتوالى لتطالهما، خاصة وهما مسؤولان مسؤولية جنائية عن الرياح التي عصفت ببعض الدول العربية، وتسببت في قتل مئات الآلاف فضلا عن الجرحى والمشردين، والخراب والدمار البنيوي والاقتصادي. أما التنظيم الدولي للإخوان، الضلع الثالث المشارك في صناعة القرار السياسي القطري، فهو يرى أن قطر هي الملاذ الأخير لهم، خاصة وأن الدول الأربع تستهدف التنظيم ذاته وتسعى إلى اجتثاثه؛ فلسان حالهم يقول: إما أن نبقى قي قطر أو نذهب وتذهب قطر.
ومهما يكن الأمر فالخيارات أمام قطر محدودة، وليس أمامها في نهاية المطاف إلا الانصياع (راغمة) وغير مختارة لتنفيذ المطالب.
إلى اللقاء