المملكة العربية السعودية ليست أولى الدول الصاعدة اقتصاديا التي وضعت خططا اقتصادية ومشاريع لعام 2030، وهي طبعا لن تكون الأخيرة. ولكن ولي ولي العهد الأمير الشاب محمد بن سلمان يدرك جيدا أن جهوده ستصبح موضع ملاحظة بعد عام على بدايتها وليس بعد 13 عاماً من اليوم.
بصراحة، فإن سجل بيانات الاقتصاد الحالية لا يبدو جيدا. صحيح أن المملكة لم تنزلق نحو حالة من الركود ولكن صندوق النقد الدولي يتوقع نموا لا يزيد عن 0.4 في المائة خلال 2017، بينما يبلغ في 2018 ما نسبته 1.3 في المائة، وهذه النسب لن تكون كافية لطمأنة المشككين أو معالجة مشكلة البطالة التي تجاوزت حاجز 12 في المائة.
ولكن منظار رؤية الأمور في السعودية اختلف بوضوح. ففي ندوة على هامش مؤتمر «يوروموني» الاقتصادي في الرياض اتفق خبراء من السوقين المحلية والدولية على أن الربع الرابع من العام 2016 مثّل «نقطة تحول». النمو الاقتصادي عاد للانطلاق مجددا بعدما وصل إلى القاع على مستوى الأداء، كما أدت عمليات الحد من الدعم وترشيد الإنفاق إلى تقليص عجز الموازنة وفقا لما كانت تتطلع إليه الحكومة وولي ولي العهد.
بالنسبة لمن ينظر إلى الوضع من الخارج ظهرت خطوة إعادة صرف البدلات للموظفين التي اتخذت مؤخراً على أنها عودة للمربع الأول واعتبرت بمثابة مؤشر إلى أن الرياض ربما تفتقد العزم الضروري للسير بالخطوات الإصلاحية المؤلمة، ولكن خلال وجودي في العاصمة السعودية تعرفت على وجهة نظر بديلة تتردد على لسان المسؤولين السعوديين، ومفادها أنهم يريدون ضمان عدم انزلاق الاقتصاد الأكبر في المنطقة نحو الركود.
وكما قال لي وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في لقاء مقتضب على هامش المؤتمر، فقد كان لديه ثمانية خيارات على الطاولة لإعادة تعزيز الإنفاق الاستهلاكي، وعوضا عن البحث عن طرق جديدة لتوزيع الدعم على السلع أو تسليم مخصصات مالية ظهر خيار إعادة ضخ المال مباشرة إلى جيوب الموظفين على أنه الحل الأسهل والأكثر منطقية رغم ما قد يبعثه من إشارات متناقضة.
من الواضح أن الأمير محمد بن سلمان يلتزم بسياسة عدم تفويت فرصة طرح الإصلاحات خلال فترة وجود أزمات، وذلك من خلال إعادة النظر في بنية الاقتصاد خلال الوقت الذي تكون فيه أسعار النفط متراجعة، ومع أن أسعار خام النفط الآن وصلت إلى 50 دولارا للبرميل، أي أنها أفضل بكثير مما كانت عليه خلال 2016، إلا أن الميزانية السعودية - كما سائر ميزانيات دول الخليج - مازالت في الدائرة الحمراء وقد أكد مسؤولون ماليون أن المملكة ستعود إلى أسواق السندات المحلية والدولية هذا العام لسد العجز بالموازنة.
نحن أمام عملية دقيقة لإيجاد التوازن إذا، خاصة وأنه سيكون على المملكة إقناع المستثمرين بأنها وضعت الحركة الاقتصادية على المديين القصير والمتوسط في إطارها الصحيح. احتياطيات البلاد كانت 750 مليار دولار عند بداية التراجع في أسعار النفط، وانخفضت إلى قرابة 500 مليار دولار اليوم، وفي الوقت عينه فإن المراكز المالية العالمية ماتزال تحاول دراسة تأثيرات أسعار النفط الحالية على خطط أرامكو لطرح اكتتاب عام السنة المقبلة.
شركة أرامكو تتطلع - عند طرح حصة تبلغ خمسة في المائة من أسهمها للاكتتاب العام - إلى تقييم سوقي يضع قيمتها الإجمالية عند مستوى ترليوني دولار، مع ادارتها لاحتياطيات مؤكدة من النفط تفوق من حيث الحجم أي شركة نفطية أخرى، وخلال الأشهر الست الماضية لم تظهر إشارات تدل على إمكانية التراجع عن الموعد الزمني المقرر.
رئيس شركة أرامكو، أمين الناصر، قال لي خلال منتدى الاقتصاد العالمي في يناير/ كانون الثاني الماضي، إن الشركة «مازالت تتطلع إلى عام 2018 (لطرح الاكتتاب) دون وجود تغيير في تلك الخطط». كما عاد وكرر الموقف نفسه في مؤتمر الطاقة العالمي الخريف الماضي، مشددا على أن عملية الاكتتاب ستكون شفافة. كما أبدى الاستعداد لعرض البيانات المالية للشركة على المستثمرين بعد تحولها إلى شركة مساهمة عامة.
وأكد الناصر أن السعودية ستكون فخورة بعرض البيانات التي تكشف مدى انخفاض تكلفة الإنتاج، وأضاف أن الشركة تقدّم بياناتها الكاملة بالفعل حاليا للحكومة.
خلال زيارتي الأخيرة إلى الرياض أجرى الأمير محمد بن سلمان لقاء تلفزيونيا مع قناة العربية قال فيه إن الحكومة السعودية ستحتفظ لنفسها بحق تحديد كمية الإنتاج النفطي والأهداف المستقبلية. وبحال تقييم أرامكو بالفعل عند مستوى ترليوني دولار فإن الاكتتاب العام الذي ستجريه الشركة سيكون أكبر بأربع مرات من أكبر اكتتاب في التاريخ حتى اليوم، وهو ذلك العائد لشركة «علي بابا» الصينية.
تظهر بوضوح أمامي الطريقة التي يحاول عبرها الأمير محمد بن سلمان جمع القطع المختلفة لتصوره الخاص لخطة «رؤية 2030»، ويكون ذلك عبر تمديد اتفاق أوبك وسائر منتجي النفط لخفض الإنتاج في الاجتماع المقرر بالخامس والعشرين من مايو/ أيار الجاري حتى 2018 لدفع أسعار النفط إلى حدود 60 دولارا، ما سيزيد من القيمة السوقية لأرامكو على أن يعود لاحقا لاستخدام الأموال التي ستُجمع من الاكتتاب من أجل تمويل مشروع تنويع الاقتصاد في المملكة.
ومع دعم الإدارة الأمريكية الجديدة والزيارة المرتقبة للرئيس دونالد ترامب إلى السعودية في 20 مايو/ أيار الجاري، يبدو الزعيم الشاب أكثر ثقة من أي وقت مضى بقدرته على تحقيق هذا الهدف وفي الوقت نفسه إعادة التوازن بوجه النفوذ الإيراني في المنطقة، وستعزز الاتفاقية العسكرية المرتقبة بين أمريكا والسعودية هذا التوجه.
خلال مؤتمر نظمته مؤسسة «مسك» التي يديرها الأمير محمد بن سلمان وضم عددا من المنظمات المحلية والدولية غير الحكومية، ظهر إصرار الشباب السعودي بوضوح على السير في مشروع «رؤية 2030»، بل إنهم كانوا يؤكدون على تطلعهم إلى سير الإصلاحات بسرعة أكبر.
هم - كما قالوا لي - يرون أنها الفرصة الأخيرة للقيام بالأمور الصحيحة، وكما قال الأمير محمد بن سلمان قبل عام، الإقلاع عن الإدمان على النفط.
جون دفتريوس - معد ومقدم برنامج «أسواق الشرق الأوسط CNN»