صيغة الشمري
أصبحت الدراسات في هذه الأيام تأخذ شكلاً مضحكاً يدعو لتهميش العقل ويثير الاستغراب، لم يعد الإنسان يعرف مع هذه الدراسات الغريبة ماذا يصدّق وماذا يكذّب، فما إن تقرأ دراسة صادمة وتحاول إلغاء عقلك لتصديقها، ما هي إلا أيام وتأتي دراسة صادمة أخرى تناقضها تماماً، السباق المحموم بين وكالات الأنباء العالمية نحو تأمين المشتركين معها بأخبار جاذبة جعلها تتلقف أخباراً هشة وبالذات تلك الأخبار التي تتعلّق بالغريب من الدراسات الغريبة التي لا تحمل منطقاً ولا بعداً أكاديمياً، حتى إن بعض الجهات تتعمد تقديم دراسات صادمة وغريبة حتى تتلقفها وسائل الإعلام لتحقيق مزيد من الشهرة والانتشار، ولكن الغريب أن هذه الدراسة صدرت من جامعة ماديسون الأمريكية وهي جامعة بحثية عريقة تأسست عام 1848م وقد حصل اثنا عشر خريجاً من خريجيها على جائزة نوبل العالمية بين الطب والكيمياء والأدب والفيزياء والاقتصاد، إذ تملك في تاريخها 19 جائزة نوبل و19 جائزة بولتزر، وهذا سجل أكاديمي مميز ومحترم، إذ يكفي أن تكون هي من إحدى الجامعات التي أسست رابطة الجامعات الأمريكي ومصنفة في المجال البحثي كجامعة ذات نشاط بحثي شديد الارتفاع وفقاً لتصنيف كارنيجي لمؤسسات التعليم العالي، هذا البحث المضحك صدر عن هذه الجامعة العريقة الذي مفاده أن مستخدمي لعبة (بوكيمون غو) على الهواتف الذكية هم أكثر سعادة من غيرهم، ناسفة كل الدراسات العلمية التي سبقتها والتي تحذِّر من الآثار السلبية لهذه اللعبة لما تسببه من شرود الذهن، ناهيك عن أضرار أخرى لا مجال لحصرها في هذا المقال، الغريب أن الدراسة أجريت على 400 شخص فقط، ولم يذكر الخبر عن عينة البحث هذه أي معلومة قد تفيدنا أو تساعد عقولنا على تصديق هذه المعلومة الصادمة، إذ لا يكفي هذا العدد القليل من عينة البحث لدعم مصداقية هذا الخبر، مما حدا بالكثير من وسائل الإعلام المحترمة للنأي بنفسها عن نشر هذا الخبر المضحك الذي ربما جعل مصداقيتها على المحك، مثل هذه المعلومة قد لا يكفي لتصديقها غير عينة بحث تفوق الأربعة ملايين شخص على أقل تقدير لأنها تتحدث عن السعادة والتي هي بحد ذاتها نسبية ويختلف مفهومها من شخص لآخر!