تقف السوق العقارية السعودية الأقوى في منطقة الشرق الأوسط على أسس قوية ومتينة يُحفزها تنامي الطلب في كافة المجالات التجارية والسكنية، وهي ما حملته رؤية المملكة 2030 ورفعها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي ولي العهد ووزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وأقرها وأعلنها مجلس الوزراء في 25 إبريل 2016م، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز (رؤية خير وبركة)، وتعددت مشارب الاقتصاد والتنمية، كون أن «الأسرة هي نواة المجتمع»، فرفعت راية تعزيز الروابط الأسرية، ليأتي نص الرؤية: (ندرك رغبة كل أسرة بتملّك مسكن، ونؤمن بأهمية ذلك في تعزيز الروابط الأسرية.
ورغم أن نسبة تملّك السكن الحالية تبلغ (47%)، وأن عدد المواطنين في الشريحة العمرية الراغبة في تملّك مسكن في تنامٍ مستمرّ، فإننا نسعى إلى رفع هذه النسبة بمقدار لا يقل عن (5%) بحلول عام (1442هـ ـ 2020م)، وذلك بسَنّ عدد من الأنظمة واللوائح، وتحفيز القطاع الخاص، وبناء شراكة فاعلة مع المواطن لتمكينه من الحصول على مسكن ملائم خلال فترة مناسبة وفق مسارات تملّك تقدم حلولاً تمويلية وادخارية تتناسب مع احتياجاته السكنية).
مُنظّم ومُراقب ومُحفّز
هو المواطن قلب دولتنا الرشيدة، التي اتبعت إدارتها الشابة الجديدة متمثلة بمعالي وزير الإسكان الأستاذ ماجد الحقيل نمط التعامل الجديد بآلية إسكانية مدروسة، تحوّلت فيها الوزارة من كونها مُنفّذاً ومُطوراً إلى مُنظّم ومُراقب ومُحفّز لقطاع الإسكان، على أسس مدروسة لواقع سوق الإسكان في المملكة، لتقف على متطلباته التي تسهم في تطويره والارتقاء به، والتعرّف على ما يحتويه من عقبات وكيفية تجاوزها، فخرجت لنا برؤية وإستراتيجية متكاملة تستهدف تنظيم وتيسير بيئة إسكانية متوازنة ومستدامة، تقوم على استحداث وتطوير مجموعة من البرامج التي تساعد في تحفيز القطاعين الخاص والعام من خلال التعاون والشراكة في التنظيم والتخطيط والرقابة لتيسير السكن لجميع فئات المجتمع، وتوافقاً مع الرؤية السعودية 2030 والتحول الوطني 2020، التي أكدت رفع نسبة التملك، وسَنّ عدد من الأنظمة واللوائح التي توفر البيئة الجاذبة للقطاع العقاري للمستثمرين المحليين والأجانب كجزء رئيس من خطط تحفيز ثقتهم بالاقتصاد الوطني، فضلاً عن الجهود الرامية لتزويد الأفراد بأدوات التخطيط المالي السليم. إضافة إلى بناء شراكة فعّالة مع المواطن والقطاع الخاص، لتوفير مسكن ملائم وفق مسارات التملك بحلول تمويلية وادخارية تتناسب مع احتياجات المواطن السكنيّة. باعثةً الأمل، مجدداً في السوق العقاري بصفة عامة والقطاع السكني بصفة أخص، لإيجاد حلول سكنية جذرية ترفع نسبة تملك المواطنين للمساكن في المملكة من 47 % إلى 52 % في أربعة أعوام.
تعزيز وشراكة
خلقت الرؤية حراكاً فكرياً واقتصادياً في المجتمع بين كافة مكوناته، وقطاعاته التنموية لغرض تحديد المُخرجات الكفيلة بتوفير أرضية مُلائمة لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة المنشودة، التي سعت وزارة الإسكان فيها لتنظيم وتنسيق بيئة إسكانية متوازنة ومستدامة لنتائج يلمسها المواطن في الحصول على السكن المناسب وفق خيارات متنوعة في جميع المناطق؛ من خلال تحفيز القطاعين الخاص والعام، إضافة إلى تفعيل ضمانات عقود التمويل العقاري، وتعزيز برامج الادخار، وتوظيف الدعم المالي للتمويل العقاري، وتفعيل برنامج الإسكان الميسر، والإسكان التعاوني، وكذلك تطوير برنامج الاستحقاق، لتسهيل الحصول على التمويل المناسب. وتحسين أداء القطاع العقاري ورفع مساهمته في الناتج المحلي، عبر برامج عدة منها: (برنامج إيجار، وبرنامج البيع على الخارطة، وإنشاء الهيئة الوطنية للعقار، وبرنامج اتحاد الملاك وفرز الوحدات، وإنشاء مركز خدمات المطورين (إتمام)، وفرض رسوم على الأراضي البيضاء، والعمل على إنشاء المركز الوطني للبحوث والرصد السكاني، فضلاً عن العمل على تأسيس الشركة الوطنية للإسكان سعياً إلى استدامة موارد الوزارة).
التطوير العقاري
لابتكار حلول تمويلية ذات قيمة مُضافة مخصصة لفئتي الأفراد والمطورين على حد سواء، اتجهت وزارة الإسكان بخططها وإستراتيجياتها لسد الفجوة القائمة بين معدلات العرض والطلب في السوق المحلية، فدخلت مجال التطوير العقاري، وتغيير دورها من مطور ومنفذ إلى منظم ومراقب للسوق، بينما يقوم القطاع الخاص بالدور الذي كانت الوزارة تقوم به حصراً فيما سبق... بهدف بناء شراكة فاعلة مع المواطن، لتمكينه من الحصول على مسكن ملائم خلال فترة مناسبة، وفق مسارات متنوعة توفر حلولاً تمويلية وادخارية تتناسب مع احتياجاته السكنية، ويجعل السوق العقاري ذا فاعلية في دفع عجلة الاقتصاد الوطني، خاصة نحن في مرحلة التحول الوطني الذي يعزز التنوع الاقتصادي والاستثمار في مختلف الاتجاهات غير النفطية ومواكبة شركات التطوير للواقع الجديد الذي يتطلب الدعم والاهتمام وتقديم التسهيلات المختلفة لتعمل بكامل طاقتها دون تحجيم، ومن ضمنها النظر في قوانين العمل المقيدة لاستقدام الكفاءات والعمالة المهرة في المجال، ليشهد السوق العقاري تحركاً نحو توازن العرض مع الطلب ليلعب دوراً مهماً في واقعية الأسعار التي تتضخم أمام نصف مواطني المملكة الذين يرغبون في امتلاك منزل يَقيهم هواجس الإيجارات وما يترتب عليها.
إنعاش وانجاح
نري بوادر إنعاش وإنجاح الإسكان في منح الشركات الأجنبية والمحلية العاملة في مجال التطوير العقاري صفقات شراكة لبناء 1.5 مليون وحدة سكنية بجودة عالية على مدى 7 أو 8 سنوات، كما رصدت سابقاً 250 مليار ريال، لبناء 500 ألف وحدة سكنية، وغيرها من العقود التي أبرمتها الوزارة مع عدد من الشركات فتعاقدت مع شركة أجنبية كورية في خطوة طال انتظارها للعودة مرة أخرى إلى العمل بمقاول أجنبي له خبرات وإنجازات تشهد لها الأربعون سنة الماضية بحسن جودتها ودقتها، ونأمل أن تحذو بقية القطاعات الخدمية الأخرى بالتعاقد مع شركات أجنبية ذات مستوى عال في تنفيذ البنية التحتية وغيرها من الخدمات، التي ستمنح المملكة مصدراً مهماً للنمو الاقتصادي، قد يُعوض بعضاً من آثار هبوط أسعار الخام، حيث عملت خطة التحول الوطني إلى مضاعفة مساهمة القطاع العقاري في الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 10 % بحلول 2020م، إذ إن حجم التطوير العقاري في المملكة قدره خبراء الاقتصاد بما يتراوح بين 95 و125 مليار ريال سنوياً، وأن عدد الوحدات السكنية المطلوبة سنوياً يتراوح بين 150 و200 ألف وحدة سكنية، إذ قدر عدد الوحدات السكنية المطلوبة خلال الـ15 سنة المقبلة بما يقارب 4 ملايين وحدة سكنية، في ظل النمو السكاني خلال المدة نفسها. ويدُل ذلك على أن الحكومة جادة وبشكل كبير في حل أزمة السكن في أسرع وقت ممكن، ويشير أيضاً إلى طفرة عقارية جديدة مرتقبة، سيسجلها التاريخ العقاري السعودي.
حديث العقار
القطاع العقاري كان في قلب الرؤية الاقتصادية الجديدة، فحضر الحديث عن تطوير القطاع بطريق مباشر وبطريق غير مباشر، فالعقار دون غيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى، ليس فقط هدفًا مراد تحقيقه من خلال المخطط، ولكن وسيلة أيضاً للنهوض بالاقتصاد عمومًا، مع تطوير قطاع الصناعات التحويلية في المملكة، بمشاركة القطاعين العام والخاص، ورفع نسبة الصادرات، وتحضير المملكة لتكون رقم 1 إقليميًا في مجال الدعم اللوجيستي الذي وُجد على أرض الواقع بتهيئة قاعدة صلبة من البنية التحتية تُغري المستثمرين الأجانب، وأسهمت في القضاء على التباطؤ الذي حدث في قطاع العقارات، وربط ذلك بالاستمرار في تنفيذ مشاريع البنية التحتية التي أمن عليها ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، مؤكداً استمرار تنفيذ عدد من المشاريع، بما فيها مشروع مترو مكة المكرَّمة، ومشاريع المترو الأخرى في الرياض وجدة، حفز القطاع العقاري السعودي خلال تلك السنوات.
عوائد لا احتكار
وفي الاتجاه نفسه استغلت الرؤية الأراضي البيضاء فعولجت منتقصاتها عبر فرض رسوم عليها بنسبة 2.5 % من القيمة السوقية للأرض، لتنشيط حركة البناء والتطوير وتحقيق عائدات تستخدم في تطوير مشاريع سكنية معقولة التكاليف في جميع أنحاء المملكة، منتصرةً على احتكار رجال الأعمال والشركات الخاصة للأراضي البيضاء، واستخدام تلك الإيرادات في الصرف على مشروعات الإسكان الحكومية، فحقق توازناً بين العرض والطلب، وتوفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة، وحماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية. بل ولم تغفل الرؤية أيضاً تطوير المناطق العشوائية ومراكز المدن للاستفادة القصوى منها، والاهتمام بتنظيم الكثافة العمرانية، وتطوير الأراضي الوزارية ليستفيد منها المنتسبون لبرنامج الدعم السكني، وكذلك العمل على الاستفادة من أراضي القطاع العام.
وختاماً: الرؤية في مجملها تشمل الكثير من الأهداف والأفكار الطموحة التي من شأنها النهوض بالاقتصاد السعودي بالفعل، لكننا ما زلنا ننتظر الخطط التفصيلية والبرامج التنفيذية للاطلاع على سبل تحقيق هذه الأهداف.
- أحمد الدايل