«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
عندما عرف العالم الكهرباء كانت فاتحة خير على العالم كل العالم، فقد احدث هذا الاختراع العظيم تطورا وتحولا كبيرين في حياة الناس. انتشر النور بدلا من الظلام والاعتماد على المشاعل والفوانيس وادوات الاضاءة التقليدية التي كانت تعتمد على المواد النفطية او حتى شحوم الحيوانات.
وبدأت دول العالم في استخدام الكهرباء في تيسير كل امور الحياة بدءا من إنارة البيوت والمساكن والادارات والمصانع والمستشفيات ومرورا بالشوارع الى تشغيل الماكينات مما طور عمليات التصنيع ودخول مجال التقنيات التي تعتمد في الاساس على الكهرباء من اجهزة ومعدات من اجل خدمة الانسان في كل مكان وزمان.
وجميعنا يعلم عندما دخلت الكهرباء مدننا وقرانا كيف تبدل كل شيء. فبات للحياة معنى وراح الناس يسهرون بعضا من الوقت في الليل. خصوصا محبي القراءة او السهر العائلي او حتى من يفضل مواصلة إنجاز اعماله في هدوء الليل كالذين يمارسون اعمالا داخل بيوتهم.
وقد كانت بلادنا في مقدمة الدول العربية التي ادركت أهمية الكهرباء في التطور الحضاري والإنساني على ارض الحرمين الشريفين واهتمت بان تدخل الكهرباء في مختلف المدن وذلك بتشجيع الشركات المساهمة التي كانت في البداية هي المسئولة عن توفير التيار الكهربائي في المناطق.
ومثل اي بلد في العالم كانت بدايات وطننا الحبيب في مجال توفير الكهرباء هي جهود فردية وبعدها جمعيات تعاونية بادرت بتوفير الكهرباء.. وتعتبر إضاءة الحرمين الشريفين من اوائل الانجازات التي اهتمت بها القيادة الرشيدة فقد حظيت كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة باهتمام خاص. ذلك لأنهما تضمان بين جنباتهما الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. لذلك كانت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أول مدن المملكة التي عرفت الكهرباء من خلال إضاءة المسجد النبوي الشريف في عام 1327هـ.
وفي عام 1338هـ تمت إضاءة الحرم المكي الشريف بمكة المكرمة.. وتؤكد المعلومات التاريخية عن الكهرباء في المملكة انها بدأت البداية الفعلية او الانطلاقة الحقيقية للكهرباء كان ذلك في عام 1352هـ عندما بدأ التنقيب عن النفط في المملكة حيث استخدمت مولدات متنقلة في عمليات الحفر والإنارة, وزاد استخدامها بعد تدفق النفط بفضل الله عام 1357هـ.
ولم تتردد الحكومة اعزها الله في دعم المواطنين في المدن وتشجيعهم بل منحهم قروضا ميسرة لتوفير الطاقة الكهربائية في مدنهم وقراهم الكبيرة.. ومازلت اذكر كم كانت فرحتنا كبيرة عندما جاء عمال شركة الكهرباء في مدينتنا وهم يحملون رولات الكهرباء والمفاتيح والافياش وعلب توزيع الخطوط. كان يوما مشهودا في حينا الشهير. ولم تكن كل بيوت الحي ايامها محظوظة بتوصيل الكهرباء اليها بحكم تكلفتها رغم تواضع قيمة الاشتراك ولكنها ظروف الناس ايامها. ومع هذا قام سكان الاحياء بتوصيل خطوط داخلية لبيوت جيرانهم كنوع من التعاون والايثار.
كان الاهالي وعلى الاخص اصحاب البيوت في الحي الذي يشهد قدوم الكهرباء اليها يتسابقون لتقديم المأكولات والمشروبات للعمال وهم يعملون بتركيب ( سلايتات ) الخشب التي تمد عليها الخطوط من عداد الكهرباء الذي وضع بجوار باب البيت حتى جميع الغرف.. ومازلت اذكر وقوفي سعيدا حاملا ( جيك ) عصير الليمون وانا اشاهد العمال يعملون بهمة ونشاط لانجاز مهمتهم العظيمة بل انك تشعر بانهم فخورون بذلك.. لايام لا حديث بمدينتنا الصغيرة الا عن الكهرباء ووصولها لبيوتهم وكيف كان لها تأثيرها الكبير عليهم وعلى الاخص ان ايام ايصال التيار لبيوتهم صادف في فصل الصيف الحار. وكم هم سعداء ان بدأ بعضهم بتركيب (مراوح) السقف. وكيف حولت حرارة الصيف الى اجواء باردة؟! وكل صيف والكهرباء في بلادنا في نمو وتطور.