د. زايد الحارثي
نواصل اليوم سلسلة مقالاتنا لنستكمل ماسبق كتابته عن الاستثمار الحقيقي في التعليم، ونستعرض إيجابيات تجربة فريدة في ظل التنافس العالمي بين قطاعات التعليم ومؤسساته المختلفة، وسوف نتطرق إلى جوانب مختلفة نرى من شأنها أن تدفع عجلة التعليم في بلادنا المملكة العربية السعودية وتدعم نهضة وطننا الغالي، وتصب جميعها مع متطلبات المرحلة القادمة من جهة، ومن جهة أخرى نردم الفجوة بين مخرجات التعليم في المراحل المختلفة قبل أن تتسع ولا نستطيع السيطرة عليها بعد ذلك.
ولإننا هنا في ماليزيا بخبرتنا الأكاديمية والعلمية، إضافة إلى عملنا الذي نجسد به التمثيل الرسمي المشرف في تعزيز الثقافة وتحقيق التواصل الحضاري والعلمي بين وطننا الغني بثقافته والنفيس في حضارته المتقدم بمؤسساته العلمية، وبين تجربة ماليزيا الثرية التي تسابق الزمن بـ 30 مليون نسمة، وأحدثت قفزة نوعية في التطور في مدة لا تزيد عن 40 عاماً فقط، من بلد بسيط بدائي إلى ناطحات سحاب ومصانع لا تتوقف تنتج وتعتمد على نفسها.
ومن هنا يجدر بنا أن نعطي نبذة عن التعليم والتعرف عن كثب عن سر النجاحات في تلك المجالات وكيف انطلقت التنمية في مفاصل هذا "النمر الآسيوي الماليزي" انطلاقاً من التعليم، بما نراه أنه سيفيد من هذه التجربة حين ننقلها إلى مؤسساتنا التعليمية المختلفة.
فمراحل التعليم ونظامه في ماليزيا تجده في مجمله يختزل بإدارة صحيحة للمنظومة التعليمية التي رأت أهمية وضرورة الالتحاق المبكر بالفصل، حيث إن الطفل الماليزي يستهل تعليمه وعمره من 3 -6 في رياض الأطفال، كانت خاصة أو تلك التي تتبع الحكومة ثم التعليم الابتدائي لمدة ست سنوات، كما يمكن إكمال هذه المرحلة من 5 سنوات إلى 7 سنوات، ويلتحق بهذا التعليم الأطفال في سن السادسة، وسنفرد بتقرير متكامل خاصة فيما يتعلق بالتقنيات والتكنولوجيا الحديثة في الفصل الدراسي باستخدام أجهزة الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية واستخدام أفضل وسائل التعليم الحديثة والبرامج الإبداعية التي حفزت إشراك الطلاب في العملية التعليمية، وسنتطرق في تقرير منفصل عن قدرة المعلم الماليزي في تحفيز الطلاب وتشجيعهم، إضافة إلى مهاراته في التعامل مع الوسائل الحديثة، ثم التعليم الثانوي ومدة الدراسة بها ثلاث سنوات، ثم يعقب ذلك استكمال ثمانية عشر شهراً من النموذج السادس للحصول على شهادة المدرسة العليا الماليزية التي تعادل الشهادة البريطانية. ويوجد العديد من المدارس الدولية في ماليزيا، إضافة إلى المنهج الوطني الماليزي وغيرها التي تدرس المنهج الأسترالي والأمريكي والصيني والياباني والسنغفوري والفرنسي، وتمنح الدبلوم بديلاً للمرحلة الثانوية الوطنية،
ثم التعليم الجامعي. وهنا في التعليم العالي خطت الجامعات الماليزية خطوات جبارة، فقبل 40 عاماً كان هناك جامعة واحدة في ماليزيا.
ولو ألقينا نظرة تأملية في واقع ماليزيا الاقتصادي لوجدنا أنه تطور وبشكل سريع وملحوظ، ويرجع ذلك في انفتاح ماليزيا والذي بدوره انعكس على سياسة التعليم فاستطاعت ماليزيا من تأسيس- كما تشير الإحصاءات - 20 جامعة حكومية،
70 جامعة خاصة، 34 كلية جامعية خاصة، 410 كليات خاصة، 91 كلية مجتمع، 14 مراكزاً للتميز والإبداع و33 معهداً تقنياً.
وفي مقالنا القادم سنتحدث عن كيف نظر الماليزيون في حل مشكلات مجتمعهم من خلال التعليم ومؤسساته التي حظيت باهتمام كبير على المستويات كافة والقيام بعمليات أسهمت بضبط التعليم والعملية التعليمية مما دفع مستوى التطوير وأسهم بتحسين الأداء الذي ارتقى بمستوى المنتج التعليمي وكان له الأثر البالغ والإيجابي في الارتقاء بالإنسان الماليزي.