أ.د.عثمان بن صالح العامر
سؤال بسيط، لا يحتاج لأن نطيل فيه التفكير.. ترى ماذا يحتاج المسرح؟
وإجابة حاضرة في ذهن الكثير منا:
- لنصًّ محكمٍ قابلٍ للتمثيل، فيه عقدة القصة، وبطل المشهد، وسيناريو الحدث، وعنصر التشويق، ونهاية المأساة أو الملهاة.
- لمخرجٍ بارعٍ في جذب المشاهد واختراق مشاعره للتأثير فيه.
- لمصورين محترفين يلتقطون المشاهد التفصيلية من كل زاوية، فيجعلون المتابع للتراجيديا يعيش اللحظة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
- لممثلين أصحاب موهبة وخبرة، والممثل أو الممثلة في العرف الفني هو: الشخص الذي يعيش حالة من الشخوص الفعلي، من خلال القيام بدور أساس لنص درامي أو تراجيدي أو كوميدي موظّفاً جميع مكوناته الجسدية والنفسية والعاطفية ليصل إلى المشاهد، ويرتفع به إلى مستوى المشاهدة التي يتطلع إليها، والممثل المتميز في المسرح العالمي هو من يتمتع بالجاذبية الطبيعية ومهارة اختراق أكبر عدد ممكن من المتابعين حتى يصدقه الناس.
ولا يغيب عن البال أنّ هناك «كومبارسًا» يقفون إلى جاب الممثل الرئيس، «والكومبارس» (Comparsa) : مواطن عادي يحضره المخرج بأجر ليلعب دوراً بسيطاً في عرض فني، لا يظهر له أهمية كبيرة ملحوظة، إلاّ أنّه غالباً ما يساعد على خلق مناخ طبيعي للقصة.
- لخشبة يقف عليها الممثلون، وتجري عليها الأحداث التي يتابعها المشاهد بشغف، وقد تتسع هذه الخشبة لتصبح مكاناً مفتوحاً تجري عليه أحداث هذه المسرحية التي هي أشبه ما تكون بالحقيقة، أياً كان لونها، ومهما كان كاتبها ومخرجها، وقد توظف لأي سبب من الأسباب لتصبح هي الحقيقة.
- يحتاج أيضاً لإعلامٍ يروّج ويتابع ردود الأفعال ويحلل ويستنتج.
- لساسةٍ يجتمعون ويتراشقون بالكلمات ثم يصدرون قرارهم، رقم .... وتاريخ ....
- لردود فعل واسعة النطاق مؤيدة ومعارضة .
- لكُتّابٍ يمجِّدون وآخرين ينتقدون في صحف عالمية وعربية ومحلية.
- لأُناسٍ تصدِّق، ولأخرى تكذّب، والقوي هو في النهاية من سيصبح البطل.
أحياناً يساورني الشك أنني أمام مسرحية يؤدي الأدوار فيها ساسة كبار، مجيدون للغة الجسد، بارعون في صف الكلمات، ويمتلكون القدرة على التحكم في الانفعالات وضبط التخرصات.
أنا هنا لا أستطيع أن أجزم بشيء، ولكنني أعيش فيما ينعته الفلاسفة والأكاديميون بالشك المنهجي، خاصة وأنّ جميع مكونات ومتطلبات المسرح وعوامل نجاحه متوفرة بشكل كبير فيما هو عندي هذه اللحظة واقع في «مربع الشك» الذي يسبق التصديق أو التكذيب.
- لقد وظّف إخوة يوسف - عليه السلام - فن التمثيل المسرحي من أجل التضليل على أبيهم، فجعلوا من الدم الذي على القميص برهاناً ودليلاً على حقيقة ما قالوا، وعلى نفس المنوال نسج الآخرون ممن أرادوا صرف الناس عن الحقيقة المحضة إلى خلافها، من أجل أهداف سياسية وفكرية وعسكرية واقتصادية لا تخفى، ولذلك صار البحث عن الحقيقة في وسط مجريات الأحداث المتسارعة، والأحاديث المتواصلة من أصعب الأشياء على الإنسان اللبيب الذي يملك حدساً لا يعترف بالظواهر، وإنما لديه توجس وخوف دائم من أنّ للأحداث أقنعة، كما أنّ البشر قد يرتدون تلك الوجوه المزيفة حسب ما تمليه عليهم المواقف وتفرضه الظروف.
أخشى ما أخشاه أننا نقف اليوم أمام خشبة مسرح عالمي كبير، تؤدى فيه أدوار متتابعة، وكأنها مشاهد متلاحقة من أجل تغييبنا عن الحقيقة المحضة؛ لنعايش المسرحية السمجة، وتنطلي علينا فصولها المتلاحقة التي تجمع بين ألوان التدجيل المختلفة من أجل الفتك بنا يوماً ما. دمتم بأمن وأمان، وتقبلوا صادق الود والسلام.