أ.د.عثمان بن صالح العامر
من أصعب المراحل التي نمر بها نحن من نسمّى «عرباً» هذه الحقبة التاريخية التي تهاوت فيها الرايات العربية واحدة تلو الأخرى بشكل مخيف وسريع، حتى بدأ مستقبل هذه الدول ينذر بخطر عظيم لا على المستوى السياسي والاقتصادي فحسب، بل على الوجود ككل في أرضية الخارطة العالمية قيادة وشعباً، أرضاً وعِرقاً، وما حدث ويحدث لإخواننا السنَّة في حلب من إبادة جماعية وتهجير وتخويف وتجويع واغتصاب على يد الروس، والتسليم بالمفتاح للصفويين بعد التخلية والهدم، وما يحدث على أرض الموصل على يد الأمريكان، والتسليم بالمفتاح كذلك لنفس المستأجر الجديد، وليبيا وتونس واليمن و... أقول إنّ من يرى ويتابع خطوات المشروع التفتيتي الذي ينفذ اليوم على أرضنا العربية، يجزم أنّ قوى الشر ماضية في طريقها، تطحن بأضراسها النتنة وقواها الحاقدة وأسلحتها المتقدمة والمتطورة إخواننا السُّنّة، نساءً ورجالاً، صغاراً وكباراً، مدنيين وعسكريين بلا هوادة ولا رحمة ولا إنسانية ولا خوف أو وجل، حتى صارت حلب بلد أشباح، ومن قبلها مدن ومحافظات وقرى وضيعات، وليس العراق القريب بأحسن حالاً عن الشام، والله يستر من القادم، إذ لم يبقَ إلاّ نحن في منطقة الخليج ، والعين علينا في أرض الحرمين الشريفين، فالله نسأل وبه نستنصر ونستغيث أن يقي بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية شرَّ من به شر، ويصرف عنا كيد الأعداء، فالمخطط واضح والنية خبيثة والتسريبات والتصريحات تنذر بشرٍّ مستطير، لا يبقي ولا يذر، ولكن سلوة المسلم في زمن المُلمَّات والفتن والملاحم والمحن أنهم موقنون أن الأمر - في النهاية - كله لله وبيده وحده، وهو القوي القاهر الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون.. عزاؤنا وجودنا تحت ظل قيادة عازمة حازمة تعد للأمر أهبته، وتعقد للمنازلة رايتها.. عزاؤنا أننا صفٌّ واحدٌ خلف ولاة أمرنا وعلمائنا - أدامهم الله وحفظهم ونصرهم على من عاداهم.. عزاؤنا أننا في بلاد تحكِّم شرع الله فينا، وتقف في صف المسلمين، وتدفع للمتضررين والمنكوبين والفقراء والمساكين ما يعينهم على نوائب الدهر بلا مَنٍّ ولا حساب.. عزاؤنا أن مِنّا ومِنْ بيننا مَنْ يقوم حين هزيع الليل الآخر يدعو الرّب أن يحفظ على هذه البلاد أمنها واستقرارها ورغد عيشها.
ولذلك فإنّ الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية 18 من هذا الشهر الميلادي!!! وإن كان يفرح ويسر وحقه أن يلقى الاهتمام والعناية التي يجب أن تولى للغة العربية، إلاّ أنه لن ينعكس إيجاباً على وضعنا المتردي الذي ترزح تحت وطأته راياتنا المتهاوية.
نعم، اللغة العربية كانت وما زالت وستظل مقوّماً أساساً من مقوّمات تجمعنا واتحاد صفنا نحن العرب، ولكن الحال اليوم ليس هو السابق، فحجم التحديات وخطر الاندثار وشبح الحروب ، ولون الدم ، والتصفيات الطائفية والعرقية التي تجعل الحليم حيرانَ هي ما يجب أن يحرّك فينا النخوة العربية، فنتجمّع ونتحد من أجل البقاء، ونقف بالمرصاد لكل من يريد أن يدنس أرضنا ويدوس على كرامتنا ويسقط رموزنا ويغير خارطة عالمنا العربي، فهو والله أقوى مقوّمات العرب اليوم إن هم أرادوا البقاء أحياءً، إذ إننا باختصار نخوض معركة حاسمة عنوانها «نكون أو لا نكون».
اللهم انتصر لإخواننا في الشام والعراق وفلسطين وسائر بلاد المسلمين، واحفظ بلادنا وانصر جنودنا البواسل في الحد الجنوبي واحفظ قادتنا وولاة أمرنا وأدم علينا أمننا واستقرارنا، دمتم بود والسلام.