أ.د.عثمان بن صالح العامر
لا شيء يعدل التكاتف والتعاون والاتحاد بين القادة والشعوب فضلاً عن الأنظمة والدول، خاصة في مثل هذا الظرف الذي نمر به ونعايش تقلّباته صباح مساء، ولذا فإن الخليج هذا الأسبوع يعيش سعادة لها طعم خاص جراء الزيارة الميمونة المباركة لملك العزم والحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز- حفظه الله ورعاه- لدول الخليج العربي الغالية على قلوبنا نحن السعوديين قيادة وشعبًا - الإمارات، قطر، البحرين، الكويت- وربما استطاعت الصور التي التقطت له- أيده الرب ونصره على كل من عاداه- والاحتفالات التي أقيمت هنا وهناك بهذه المناسبة المتميزة وتابعها الجميع عبر القنوات الإعلامية المختلفة، أقول: لعل الصور والأهازيج والشعر والابتسامات تغني عن كثير من الكتابات وتشرح ما لا يمكن أن يفيه مقال، إذ أظهرت المشاهد بكل تفاصيلها كم نحن أسرة واحدة، وكم هي منزلة أبي فهد - أمد الله في عمره - في قلوب الخليجيين قادة وشعباً.
إن هذه الزيارة وما صاحبها من احتفاليات وتفاعل شعبي مميز قصّرت المسافات بين الساسة والاقتصاديين والاستراتيجيين الخليجيين، واختصرت الكثير من الجهود التي كان لزاماً على متخذي القرار بذلها والتفكير حيالها طويلاً، وجعلتنا- بإذن الله- قاب قوسين أو أدنى من اتحاد خليجي متميز، وهذا جزماً يُفرح كل مواطن خليجي يريد لما نحن فيه من نعم أن تدوم وتظل وارفة الظلال على خليجنا المحبوب.
لقد بدأ المحللون السياسيون والكتاب المثقفون والمغردون التويتريون يعيدون المطالبة «بخليج واحد»، من أجل أن يقف بقوة أمام أعداء هذا الجزء من العالم الذي حباه الله عزّ وجلّ بخيرات ونعم يحسد عليها ويحارب من أجلها، خاصة المد الفارسي الذي لا يُخفي أطماعه التوسعية في المنطقة، ولا يتورع عن الجهر بنواياه الخبيثة التي جنّد له جيشًا من الأتباع الظاهرين والمختبئين خلف ستار الدين وهو منهم براء، موظفاً من أجل زعزعة أمننا الخليجي جميع طرائق المكر والكيد والخيانة والغدر التي لا تخفى، ويسوق هؤلاء المثقفون من البراهين والأدلة ما يعززون فيه مطالبتهم ويدعمون رؤيتهم حول الإسراع بإعلان «الاتحاد الخليجي» المرتقب في قمة المنامة التي تنعقد لحظة كتابتي هذه السطور.
لقد حفل التاريخ العربي بمحاولات عدة لتحقيق وحدة عربية على أسس ماضوية أشبعها الكتاب والباحثون شرحاً وإيضاحاً، ورغم الجدية في السعي للوصول إلى هذا المشروع الوحدوي الطموح - على الأقل في بعض المحاولات - فإنها لم تنجح في تحقيق أبسط صور الوحدة المرتجاة، لأنها باختصار ركزت على المثاليات النظرية الماضية، ولم تأخذ في حسبانها معطيات الواقع واستشراف المستقبل بالنسبة للأمس الذي نعيشه اليوم واقعاً عربياً لا يخفى من التشرذم والشتات والضعف والهوان والتفرق والانقسام للأسف الشديد.
إن من أهم أسباب المطالبة الملحّة باتحاد خليجي عظم الخطر الذي يحيط بخليجنا العربي، وتعاظم التحديات التي نواجهها يوماً بعد يوم، وما يدري الإنسان ماذا سيكون في قادم الأيام.
لقد استطاع سلمان العزم والحزم أن يعيد للبيت الخليجي ممثلاً بقادته وساسته وصناع القرار فيه تقاربه وتكاتفه، ويوحّد صفه وجنده في قوات التحالف المشتركة بعد أن شعر الجميع بشيء من الخطر يطرق الأبواب الخليجية بصور شتى وأشكال مختلفة، وجزماً الشعور بالمشكلة هو أول الخطوات للبحث عن حل، وتلمس موطئ الأقدام، وإعادة النظر في السيرة والمسيرة ومن ثم رسم خارطة طريق واضحة تسير عليها الأجيال في الحاضر والمستقبل.
إن الشارع الخليجي يتطلع إلى أن تسفر قمة المنامة عن خطوات عملية تنقل الحلم إلى واقع معيش تتحد فيه الكلمة ويتراص الصف وتتوافق الخطوات سيراً إلى الأفق الذي يرنو له خليجنا الآمن بفضل الله ومنّه. دمتم قادتنا بمجد وعز، ودامت راياتنا ترفرف في سماء أوطاننا الغالية، وتقبلوا صادق الود والسلام.