علي الصراف
الحياة رحلة. وككل رحلة، فإنها تنطوي على متع وفوائد ومضار ومخاطر. ولكن خوضها بنجاح لا يتم من دون «قائد».
إذا توفرت الرؤية المشتركة لما يتوجب تحقيقه من الأهداف، فإن المفصل الحاسم التالي، هو التسليم لهذا القائد، والتسليم لخياراته.
دولاً كنا أم أفراداً، فإن واحدة من أكبر مشكلاتنا هي أن كل واحد منا يريد أن يصبح قائداً. وهذا أمر مشروع، ولكنه غير ممكن عملياً، وهو مناهض للمنطق أيضاً.
انظر في أمر التعثر في معالجة «المشكلات المشتركة»، وسترى أين كانت تكمن العلة.
القيادةُ أسسٌ ومستلزمات وإمكانيات. وهي إذا ما توفرت لثلاثة من بين كل عشرة، فهذه بركة، وليست نقطة ضعف، وذلك إذا ما أُحسن توظيفها في الاتجاه الصحيح.
نريد أن نصل من النقطة (أ) إلى النقطة (ب). يعرض أحدنا تصوراً. ويعرض الثاني تصوراً، كما يعرض الثالث تصوراً. نبحث، نفكر، نختار سبيلاً، ونحدد سقفاً زمنياً، ثم نترك التنفيذ لمن نختاره كقائد. نسلم له بقناعة، ونتبعه برضا.
لن يحول ذلك دون تبادل الرأي، ولا الاختلاف في شأن بعض التفاصيل. ولكنك لن تجادل القائد فيما يختاره من توظيفات وبدائل لمعالجتها أو التصدي لها.
دع الأمر يمضي كما شاء. أعطه الفرصة كاملة.. بل ساعده في تحقيق ما يصبو إليه، بصدق وإخلاص، من أجل ترى ويرى النتيجة.
ودائماً، قل رأيك صادقاً، واترك الباقي لمن سلمته القيادة.
وكلما كانت المشكلات التي نواجهها ذات طبيعة عملية، كلما كان ذلك أفضل. لأن حلها يتعين أن يكون عملياً أيضاً.
لدينا، على سبيل المثال، مشكلة خطيرة اسمها «الإرهاب»، وأخرى اسمها «الأمن الغذائي»، وثالثة اسمها «التهديدات الإقليمية».... إلخ.
وقد لا نتفق على تصنيف كل «مشكلة» على أنها مشكلة فعلاً. ولكن سوف يمكن الاتفاق على بعضها على الأقل.
من هنا يبدأ العمل. ومن هنا يبدأ البحث والتفكير وتوفير الإمكانيات والموارد. وحالما يتوفر لها قائد، فدعها له.
القيادة مسؤولية كبرى. وهي بكلمة أخرى، «ورطة». ومن نِعم الزمان أن يكون لك فيها قائد يمتلك الإرادة والإمكانية والمعرفة. ومن زائد الخير أن يكون لديك ثلاثة بدلاً من واحد يمكن لأي منهم أن يتولاها بطريقته الخاصة. وعندما لا تكون قادراً عليها اليوم، فقد تكون جديراً بها غداً.
ارتقاء جبل شاهق، لن يتم من دون قائد، يحدد المسالك ويدقق فيها ويوفر لها المستلزمات، ليتبعه فيها الآخرون. فاذا انطوت التجربة على مغامرة، فالواقع هو أن ذلك القائد سيكون، بالطبيعة، أول المغامرين.
لا تستطيع، وأنت في خضم الرحلة، أن تجادل، ولا أن تعلن الاختلاف، ولا أن تتراجع. وإذا ما واجه أحد المتسلقين خطراً، فالكل يلتفت إليه ليوفر له النجاة.
وبينما يركز قائد السيارة بصره على الطريق، فإن المسافر في جواره يتملك كل رفاهية المشاهد على جانبي الطريق. وذلك مثلما يملك رفاهية التنبيه للمخاطر.
مشكلات مثل «الإرهاب» و»الطائفية» و»الأمن الغذائي» و»التهديدات الإقليمية» لن تعرض حياة أمة إلى خطر ساحق، كمثل خطر تسلق جبل شاهق، حتى إذا ما وقعت أخطاء في مواجهتها.
في الواقع، الأخطاء مفيدة، لأنها مصدرٌ آخر مهم من مصادر المعرفة.
وكلما مضينا قدماً في معالجة مشكلة بنجاح، كلما أصبح التماسك أقوى، والثقة أعلى، والتجربة نافعة.
ما ذهبتُ في رحلةٍ مع أحد، إلا وحرصت على أن أجعل صحبتي ممتعة. والسر بسيط: أترك القيادة لمن يقدر عليها أو يرغب بها، واستمتع بالباقي.
إنما الحياة رحلة.