علي الصراف
هل يمكن لبريطانيا أن تخرج من التزامها بالخروج من الاتحاد الأوروبي؟
سوف يبدو مجنونًا من يتوقع ذلك. ولكن سوف لن يبدو عاقلاً من لا يرى ما تغير بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة.
معروف تمامًا أن تيريزا ماي تولت السلطة وقيادة حزب المحافظين، بعد استقالة ديفيد كاميرون، من أجل تنفيذ خطة الانسحاب. وكان أول تصريح لها يقول: "بريكست يعني بريكست". وكانت مليئة بالثقة بأنه يمكن حماية الإرادة العامة التي عبر عنها الناخبون، وفي الوقت نفسه النجاح في هذه المهمة الخطيرة.
وكان الاعتقاد الراسخ، يقول بأن حزب المحافظين بات قويًا بما يكفي لكي يفرض نفسه لعشر سنوات مقبلة على الأقل. أولاً، لضعف حزب العمال المنافس. وثانياً، لاستكمال مشروع الانسحاب. وثالثاً، لضمان استقرار الإدارة الاقتصادية للبلاد خلال هذا المنقلب.
ولدى تيريزا ماي كل المؤهلات اللازمة لقيادة حكومة ناجحة. أولاً، لأنها تملك الخبرة الكافية. وثانياً، لأنها تعرف ما تريد وتعرف الطريق إليه. وثالثاً، وهذا هو الأهم، لأنها براغماتية بما يكفي لأن تغلب المصالح الاقتصادية على أي افتراضات أيديولوجية أو مواقف سياسية جاهزة.
العنصر الرئيس لنجاح خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي يعتمد على "العلاقات الخاصة" بين الولايات المتحدة وبريطانيا. وبطبيعة الحال، على ابتداع شق خاص ببريطانيا يوازي اتفاق التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي.
"العلاقات الخاصة"، تقف اليوم على حافة هاوية. وكذلك اتفاق التجارة الحرة الذي يريد الرئيس المنتخب أن يعيد النظر فيه أو أن يلغيه، كله على بعضه.
ما الذي بقي لبريكست؟
في ظل الأجواء التي سوف يفرضها انتقال الإدارة الأمريكية إلى ما يفترض أنه تيار "يميني" و"انعزالي" و"متشدد" في واشنطن، يجدر التساؤل: هل ما زال من الممكن تحقيق "بريكست" بنتائج آمنة؟
يستطيع المرء القول، بمقدار معقول من الثقة، أن الانقلاب السياسي في واشنطن، زعزع كل الأرضية التي يمكن أن تنهض عليها عملية انسحاب بريطاني ناجح من الاتحاد الأوروبي. ومن دون بديل تجاري قوي مع الولايات المتحدة فإن بريطانيا لن تتمكن من أن تمضي قدمًا.
وفضلاً عن التعقيدات التي ترافق عملية الانسحاب، التي تتطلب في الأقل استقرارًا وطيدًا في العلاقات مع واشنطن، فإن منافع العملية نفسها أقل بكثير من المخاطر.
فالبريطانيون إذا كانوا يريدون الاحتفاظ بقدرتهم على دخول السوق الأوروبية، فإنهم سوف يظلون ملزمين بـ"الحريات الأربع"، (أي حرية حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأشخاص) وهو ما يعني أنه سيظل من الواجب عليهم القبول بحرية انتقال الأشخاص.
وانتقال العمالة المفتوح من أوروبا إلى بريطانيا، كان هو جوهر المشكلة التي دفعت بالناخبين البريطانيين إلى تغليب الخروج من الاتحاد.
الحقائق تغيرت الآن. وإذا تغيرت الحقائق، فهل من البراغماتية بمكان التمسك بأي موقف سابق؟
بوجود ترامب في البيت الأبيض، فإن عملية الخروج، قليلة الفائدة أصلاً، سوف تنطوي على مغامرات خطيرة من عدة جوانب في آن واحد. مما يجعل المضي فيها نوعًا من السير في غابة مظلمة، ليس فيها طريق مضمون ولا آمن.
ما السبيل للخروج من هذه الورطة؟
هناك طريق واحد فقط: التراجع عن دخول الغابة أصلاً.
ولكن كيف؟ وما الذي سيمكنه حفظ ماء الوجه؟
الحال الراهن يقول إنه بدلاً من تفعيل المادة 50 في ميثاق الاتحاد الأوروبي لبدء عملية التفاوض على الخروج، فإنه يجب إجراء انتخابات برلمانية جديدة توفر شرعية للخروج من الخروج.
ولئن كان ديفيد كاميرون من الشجاعة بمكان بحيث إنه استقال فور إعلان نتائج استفتاء البريكست، فإن الامتناع عن تطبيق خطة الانسحاب يتطلب من تيريزا ماي شجاعتين، لا واحدة: الأولى، أن تقبل بتغير الحقائق. والثانية، أن تفسح الطريق ليعود تيار البقاء في الاتحاد (ممثلاً بوزير الخزانة السابق جورج اوزبورن) ليتولى قيادة حزب المحافظين.
لا يوجد في عالم اليوم ما يُلزم بموقف لا يتغير، إذا ما تغيرت من حوله الحقائق.