«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
ما زالت أمريكا تعيش أوضاعاً اقتصادية هشة تقود إلى الانحطاط الاقتصادي، ويبدو أن هذه القارة التي اكتشفها «كروستوفركولمبس» لن تسيطر ثانية على العالم، ولاشك انها مازالت معتزة بنفسها وتشمخ بأنفها بين فترة وأخرى بعدما سحبت البساط من القارة الاوربية القيمة وبعد هجرة الملايين اليها من هذه القارة ومن آسيا فسخرت قدرات المهاجرين لتنميتها وتطويرها، وحتى باتت في القرن الماضي اعجوبة وحلماً يراود الملايين في العالم، فهي قوة اقتصادية لا شك في ذلك بسبب انتقال التفوق العلمي والتقني وحتى الاقتصادي إليها.
وكانت تتصور خلال العقود الماضية أنها تملك القوة وحتى صنع القرار وتمسك بأطراف خيوط اللعبة السياسية، جنباً إلى جنب مع اللعبة الاقتصادية وهي مسترخية تحت مظلة قوتها «النووية» والتي أخافت العالم بعد إسقاطها قنبلتي هيروشيما ونجازاكي، وتدميرها للمدينتين اليابانيتين، ولا شك أن دولاً عديدة راحت تعقد الصفقات والتحالفات مع بلاد العم سام وهي تشعر بالاطمئنان تحت قبعته العملاقة وهم يحسنون الظن فيه بشكل متزايد مما جعل العديد من الدول تجعل جزءاً كبيراً من استثماراتها وودائعها داخل بنوكه ومصارفه المختلفة المكشوفة والمستترة.
لقد راود دول عديدة وشعوبها حلم الاطمئنان لهذا العم السام..! وضع خطاً أحمر تحت «السام» الذي كم نفث سمومه في كل مكان في قارات العالم.. وسيطر لفترة طويلة على اقتصاديات الدول بطريقة مباشرة وغير مباشرة، لكنه انكشف في العقود الأخيرة وعرف الجميع أهدافه وسياساته المكرسة لمصلحته أولاً، بل اتخذ مبدأ الكيل بمكيالين، فهو معك ولكنه في الخلف ضدك.
والحق أن أمريكا فقدت قدرتها على التأثير والمنافسة في مجالات كان لها فيما مضى اليد الطولى كالتعليم والصناعة والطب.. ففي القرن الجديد برزت دول في أوربا وآسيا منافسة في هذه المجالات، بل إن الإنتاج الآسيوي القادم من الصين واليابان وكوريا يجد له سوقاً رائجة في بلاد هذا العم سام الذي يبدو أنه بات يعاني من أمراض الشيخوخة، فضعف اقتصاده وتراجعت مزايا منتجاته أمام زحف الإنتاج الأوربي والآسيوي، فباتت السيارات والمنتجات التقنية المختلفة تباع في مختلف مدنه، بل ان المواطن الامريكي الذي ارهقته الرسوم وعلى الاخص اصحاب الدخول المحدودة والرواتب المتدنية أكثر تأثراً من غيرهم، وهم بالتالي يشكلون النسبة الاكثر اقبالا على شراء المنتجات والبضائع القادمة من الشرق.. وبالمناسبة توجد في مدنها الرئيسة اسواقا كبرى نسبة كبيرة من المعروضات فيها هي من انتاج آسيا ودولها المختلفة خصوصاً الصين.!.
والمثير للدهشة أن كثيراً من شعوب العالم لم تعد تولي أمريكا اهتماماً كبيراً ولا الثقة التي كانت تسكن نفوسهم في ما مضى.! فمنذ تدخلها في فيتنام والمذابح الوحشية التي ارتكبتها هناك وما تسببت فيه من دمار في العراق وعدم معالجتها للأوضاع فيه بحكمة وروية ومناصرتها المكشوفة لإسرائيل وعدم جديتها في القضاء على «داعش»، كل هذا وغيره أدى إلى تراجع الثقة فيها وفي سياستها.
وجاء مؤخراً قانون «جستا» ليضع النقاط على الحروف وينزع ورقة التوت من جسد هذا العم السام والعجوز..! وراحت آراء المئات من كتاب العالم تندد وتشجب هذا القانون الجائر.. على الرغم من كونه سوف يتسبب في كارثة اقتصادية لأمريكا نفسها وسوف يساهم في تقليص النمو الاقتصادي فيها بقيام العديد من الدول بسحب ودائعها واستثماراتها المختلفة. بل إن هذا القانون سوف يشجع دولاً وشعوباً على مقاضاة امريكا، وبالتالي يتيح للملايين من ضحايا العم سام مقاضاته من خلال المعاملة بالمثل.
فلنتصور كم ستدفع أمريكا لضحاياها في اليابان وفيتنام ودول آسيوية أخرى وفي العراق وليبيا وفي أمريكا الجنوبية، ولو تحقق ذلك وهذا ما نرجوه، فهذا يعني تسرب مليارات الدولارات من خزينة الاقتصاد الأمريكي في وقت هي في أمس الحاجة إليه. أبعد هذا لا يعي أعضاء الكونغرس هذا المصير الذي سوف ينتظر بلادهم.؟!