لو قدِّر لمحركات البحث الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، أن تتحدث لصرخت في وجوه البعض بإجابة واحدة على كل التساؤلات: لا أدري! حيث يعيش الهلاليون حالة من المتابعة المحمومة الدقيقة في كل شيء يتصل بموضوع مدرب الهلال الجديد وعدد سنوات خبرته ومنجزاته السابقة، وعن موعد وصوله وتوقيعه وقيمة عقده والشرط الجزائي وغيرها من الأسئلة التي لا تنتهي.
في موسم 2009 - 2010 عاش الهلاليون موسماً استثنائياً ارتشفوا خلاله جمال أداء فريقهم حد الارتواء، حيث كان المدير الفني البلجيكي ايريك جيريتس - مايسترو الأوركسترا الزرقاء - يتفنن في كل مباراة لأجل أن يقدم اللاعبون أفضل ما لديهم، فظهر الفريق في أفضل حالاته سواء من ناحية اللياقة البدنية أو المستوى الفني، وحقق الهلال بطولة دوري زين السعودي وكأس ولي العهد، كما نال وصافة كأسي خادم الحرمين الشريفين للأبطال والأمير فيصل بن فهد، إثر الخسارة بركلات الترجيح في كلا النهائيين أمام الاتحاد والشباب على التوالي، بالإضافة إلى وصول الفريق للدور نصف النهائي في دوري أبطال آسيا للمرة الأولى منذ تعديل نظام المسابقة 2003م، قبل أن يخسر أمام ذوبهان الإيراني ذهاباً وإياباً بهدفين دون مقابل.
بعد مغادرة جيريتس المفاجئة لفريق الهلال إلى المنتخب المغربي الأول لكرة القدم، وما صاحب ذلك الحدث من تساؤلات مثيرة للجدل بات الهلاليون يعيشون في دوامة تغيير المدربين بشكل غير مسبوق، مما جعل بعض الخيارات غير موفقة على الإطلاق، ويأتي في طليعة الخيارات السيئة المدرب الفرنسي كومبواريه الذي قتل الهلال من الوريد إلى الوريد في ربع نهائي أبطال آسيا، عندما خسر الأزرق أمام أولسان الكوري بخماسية نظيفة في مجموع مباراتي الذهاب والإياب، غير أنه استمر بعد هذه الكارثة مدرباً للهلال ولم تتم إقالته إلا بعد أن واجهه أحد الصحفيين بمرارة في المؤتمر الصحفي الذي أعقب مباراة الهلال والنصر والتي خسرها الهلال بهدف دون مقابل.
المدرب ماتوساس شكّل صدمة للمدرج الهلالي الكبير في مباراة الاتفاق ضمن الجولة الثالثة في دوري جميل السعودي التي خسرها الهلال بهدفين مقابل هدف، عندما أبقى جميع اللاعبين الأجانب إلى جواره في دكة البدلاء بحجة عدم اكتمال التجانس مع الفريق ! ورغم فوزه على القادسية في الجولة التالية، إلا أن إدارة الهلال اتخذت قراراً شجاعاً بإنهاء عقده، بعد أن رأت منه تخاذلاً مريباً كما لو كان يبحث عن نيل الشرط الجزائي بافتعال المشاكل في الفريق.
كانت خطوة إدارة الهلال بإبعاد ماتوساس مهمة للغاية خصوصاً فيه هذا التوقيت، حيث لا زال الدوري في بدايته ولم تشتدّ المنافسات بعد وتتداخل المسابقات، كما أن إسناد التدريب مؤقتاً لمدرب الفريق الأولمبي ماريوس سيبيريا قرار موفق لأبعد الحدود، بالنظر لمعرفته بظروف الفريق الأول وبالنادي عموماً لحين الاتفاق مع مدرب جديد.
لكن ما المطلوب من المدرب القادم ؟! بالعودة إلى تجربة جيريتس الفذة وبعيداً عن كون العناصر الأجنبية كانت تشكّل فارقاً كبيراً في المباريات، إلا أنني أكاد أجزم بأنّ العامل الأول لتفوق جيريتس هو إقرار التمارين الصباحية، حيث يلتحق اللاعبون بالمعسكر صباحاً لتناول الإفطار ثم التمارين اللياقية والتكتيكية، وبعد تناول وجبة الغداء في المعسكر يغادر الجميع، وهكذا في كل يوم، بحيث يصبح باقي اليوم ملكاً للاعب يقضيه مع أهله وأبنائه أو أصدقائه، بدلاً من الوضع الحالي القائم، وهذا يعطي حافزا كبيرا لجميع اللاعبين بالحضور الصباحي المبكر، وبالتالي القضاء على ظاهرة السهر أو التخفيف منها تدريجياً، وسنشاهد الانعكاس الإيجابي على مستويات جميع اللاعبين بلا استثناء بعد قضاء فترة معينة من تطبيقه، كما أن على المدرب الحالي سيبيريا مسؤولية كبرى في إعداد ملف كامل عن الفريق بجميع عناصره، يحتوي على كل ما يحتاجه المدرب الجديد للتعرف على مستويات اللاعبين والوقوف على مؤشرات أداء اللياقة البدنية بكل فروعها، وهذا بزعمي سوف يختصر الكثير من الوقت الذي قد يتم استنزافه بلا فائدة .
أقدّر ترقُّب المدرج الهلالي الكبير لمعرفة موعد وصول المدرب الجديد، فهذا الجمهور العاشق يريد الاطمئنان على وضع الفريق مع كمية التفاؤل الكبيرة التي سبقت بداية المنافسات ولهم الحق في ذلك، إلا أنني أدعوهم للتحلّي بالصبر وبإذن الله سوف تتحقق الآمال المعقودة على الفريق، فالنادي بأيدٍ أمينة لا تدخر وسعاً في خدمته وبذل الغالي والنفيس لأجله، لكن مسألة اختيار المدرب المناسب ليست سهلة كطلب وجبة بيتزا بيبروني مع زيادة الجبنة ! لذلك أظن بأنّ التأخير في حسم الموضوع له ما يبرره مع تعدُّد الخيارات ومدى مناسبة المعيشة في المملكة للخيارات المختارة، وبالتالي التأخير قليلاً وارد في مثل حالة الهلال، لكنه لن يطول بالشكل الذي يشكل قلقاً لدى الجمهور بمشيئة الله .
لقد كان الهلال منذ فجر تاريخه المجيد غنياً بجمهوره العظيم وبلاعبيه المخلصين، والكل يتذكر عدد البطولات التي حسمها الزعيم بدون مدرب أو بمدرب حضر حديثاً للإشراف على الفريق، لقد كان السر وراء ذلك الروح الوقادة التي تشعل الحماسة لدى اللاعبين، وهم يضعون نصب أعينهم جمهورهم العاشق الذي ما انفك وفياً مع المدرج الأزرق بحضوره وتأثيره، حتى في أحلك الظروف وأصعبها، وعلى دروب زعيم آسيا دوماً نلتقي.
- محمد السالم