يقول الأقدمون من عرب الجزيرة العربية في دعائهم وبعض أمثالهم الشعبية (اللهم إيمانٌ كإيمان العجائز) والإيمان هنا ربما المقصود به ليس الإيمان العقدي الديني فحسب، بل هو مفهوم متسع وشامل يقصد به التصديق بالفكرة والأخذ بها على أنها هي الحق المبين. ويروى عن أبي حامد الغزالي قوله الشهير (الشك أولى مراتب اليقين) وقوله أيضاً في كتابه ميزان العمل (فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والضلال). وقد يعتقد البعض أن في هذا الأمر تباين بين قول صاحب الدعاء وقول الغزالي، أما أنا فأرى أن هذا يدل على اتفاق تام بينهما والهدف هو الوصول إلى الحقيقة الكاملة، واليقين التام الخالي من شوائب الشك والمتناقضات الحادة التي تمزق الفكرة وتعصف بها، وهنا يتحقق الإيمان. أي أن علينا أن نخضع الفكرة الغريبة التي لم يقبلها العقل إلى اختبارات الشك المنهجي العلمي، فإما أن نثبتها بالأدلة والقرائن ونوقن بها ونؤمن بها إيماناً كإيمان العجائز في رسوخه وقوته وثباته، أو نطردها من عقولنا إلى الأبد، حتى لا تكون عقولنا في نهاية المطاف مجرد وعاء مليء بالخرافات والأكاذيب. ويعرف عن أبي حامد الغزالي أنه مؤسس الشك المنهجي، سابقاً ديكارت وفلاسفة عدة أسسوا للفلسفة الغربية، وأحسب أن السير على خطى الغزالي سيجعلنا نعرض الكثير من تراثنا على طاولة الشك، لنمحصه وندققه ونفرز حقائقه من زيفه، فلا أتصور أن للإنسان أن يصدق بحقيقة ما دون أن يواجه وجودها بشك يعطيه التفسيرات المنطقية الصحيحة التي تقوده إلى الإيمان بها. وبهذه الطريقة يمكن القول إن الشك جزء من الإيمان، ووجوده يبرر كل غايات العقل. غير أن هذا الشك لابد أن يكون على أسس علمية تهدف وتسعى للوصول إلى المنطقية، فقد أُتخمت الكثير من العقول الشاكة بما يسمى اللاأدرية، وهي توجه فلسفي لا يثبت ولا ينفي، بل يعلق كل القضايا وخاصة تلك الأمور الغيبية أو الدينية بين قبول ورفض، حيث يرى اللاأدريون أنه لا يمكن لشخص ما أن يثبت حقيقة أو ينفيها ولا يمكن له أن يسلم بالوجود أو العدم، وبحسب ويليام ليونارد روي فإن اللاأدريون يرون أن الإنسانية تفتقر للأسس المنطقية الضرورية لتبرير أي معتقد. وهذا التوجه وإن بدأ بالشك إلا أنه لم يكن يسير على خطى واضحة بل هو شك عبثي متخبط، وهو ما يقود في النهاية إلى إنكار الثوابت المطلقة، حتى في تلك اللاأدرية المشروطة فإنهم لا يثبتون إلا الحقائالتافهة كما يقول الأسكتلندي ديفيد هيوم، كأن تقول إن أضلاع المربع أربعة. ولأنها شك في غير محله، ومبني على أسس غير علمية فقد طالتها الكثير من الانتقادات وأبرزها هو أنها تحد من مقدرة العقل على المعرفة وتمييز الحقائق المادية. بينما الشك المنهجي لا يقود إلا إلى إيمان عميق وراسخ.
- عادل بن مبارك الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @