«الجزيرة» - محمد السلامة:
رسمت الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، خارطة طريق مستقبلية تشمل 15 إجراء أمام الدول الأعضاء من شأنها أن تسهم في زيادة إنتاجية المواطن الخليجي.
جاء ذلك ضمن دراسة أجرتها الهيئة، إنفاذا لقرار المجلس الأعلى في دورته الـ36 المنعقدة بالرياض في فبراير من العام الجاري 2016، حيث تم تكليفها بدراسة إنتاجية المواطن الخليجي والعوامل المؤثرة في تحديدها وتقديم مرئيات عن سبل زيادتها.
وقد خلصت اللجنة بعد إطلاعها على التقارير والدراسات المقدمة لها من قِبل الدول الأعضاء وأعضاء اللجنة، وبعد المناقشات والمداولات، إلى أن زيادة إنتاجية المواطن في دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر من أهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه حكومات دول المجلس، وبخاصة في الظرف الراهن الذي يشهد هبوطاً كبيراً في أسعار النفط، مع استمرار اعتماد دول المجلس على مداخيلها المالية من تصديره وتعثر جهودها في تنويع مصادر الدخل، واستمرار اعتمادها على ملايين الأيدي من العمالة الوافدة وارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين الخليجيين، وتدني معدل مشاركة اليد العاملة الوطنية في إجمالي قوة العمل الوطنية.
كما أشارت إلى أن الإنتاجية بحسب الأدبيات الاقتصادية تلعب دوراً مهماً في النمو الاقتصادي وتحقيق تنافسية عالية للاقتصاد الوطني، لذلك تسعى الحكومات في جميع بلدان العالم إلى زيادة إنتاجية مواطنيها وقطاعات اقتصادها بهدف زيادة النمو الاقتصادي الكلي، ونظراً لكون اقتصادات دول المجلس اقتصادات ريعية وتعاني من اختلالات هيكلية عميقة فقد انعكس ذلك كله على إنتاجية المواطن الخليجي مما يجعل دراستها تحتل أهمية كبيرة.
وفي ضوء ما سبق من رصد وتشخيص للمحددات الإنتاجية والعوامل المأثرة فيها، ترى الهيئة الاستشارية ترى أن من الضروري أن يتم تحديد مقاييس للإنتاجية -باعتبار أن كلمة
«الإنتاجية» يساء فهمها كما يساء استخدامها- مع الأخذ تأخذ في الاعتبار خصوصية الاقتصاد الخليجي، وأن يتم قياس الإنتاجية وفقاً لمعايير منهجية يكون أساسها ربط جهد العمل المبذول في القطاعات المختلفة بعملية التنمية المستدامة، كذلك لا بد من قياس الإنتاجية في الأنشطة التي تعطي القيمة المضافة في الاقتصاد الخليجي، وذلك من خلال إنشاء لجنة فنية إقليمية تقوم على معالجة المحاذير المنهجية لقياس الإنتاجية في دول المجلس وتقترح آليات جديدة لقياس الإنتاجية، وترتبط بأجهزة الإحصاء الوطنية، على أن تشمل في عضويتها متخصصين في اقتصاديات العمل والإحصاء التطبيقي. كما اقترحت اللجنة إنشاء مرصد متخصص في الإنتاجية على مستوى دول المجلس، وذلك بهدف جمع الإحصاءات والبيانات المتعلقة بها وقياس مستوياتها ودراسة سبل زيادته، بحيث تبادر الأمانة العامة لمجلس التعاون باتخاذ خطوات عملية لإنشاء مركز خليجي متخصص في الإنتاجية، أن يتم التنسيق بين المجالس الاقتصادية وهيئات الإحصاء ووزارات العمل والخدمة المدنية والاقتصاد والتجارة والصناعة والغرف التجارية داخل كل دولة عضو لإنشاء مراكز وطنية للإنتاجية، إلى جانب الاستفادة من التجارب الناجحة لمراكز ومنظمات وهيئات الإنتاجية في البلدان ذات الإنتاجية المرتفعة، مثل مركز اليابان للإنتاجية، مركز ألمانيا للإنتاجية والابتكار، منظمة الإنتاجية الأسيوية، مجلس الإنتاجية والمعايير السنغافوري، ومجلس المؤتمر وغيرها.
إعادة هيكلة الاقتصادات وسوق العمل
ومن مرئيات اللجنة لزيادة إنتاجية المواطن الخليجي، التأكيد على أهمية إعادة هيكلة اقتصادات دول المجلس وتخفيض الاعتماد على النفط والغاز كمصادر للدخل الوطني، وذلك من خلال تبني سياسات إصلاح اقتصادي مما تضمنته الآليات التنفيذية لمختلف مرئيات الهيئة في هذه الدراسة، بهدف تنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيز القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية، كذلك إيجاد حوافز للقطاع الخاص للتوسع في إنشاء المشروعات الصناعية والأنشطة في المجالات غير الريعية، إضافة إلى استقطاب الاستثمار الأجنبي لإنشاء مشروعات في استيراد وتوطين التقنية والممارسات الإدارية الحديثة وتوظيف المواطنين الخليجيين، وتعزيز الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص.
كما أوصت بضرورة إدخال إصلاحات إلى سوق العمل لمعالجة الاختلالات الهيكلية بهدف استقطاب المزيد من الأيدي العاملة الخليجية للعمل في القطاع الخاص والتخفيف من الاعتماد على العمالة الوافدة وخاصة العمالة ذات الإنتاجية المنخفضة، وذلك من خلال تضييق الفجوة بين بيئة العمل في القطاعين الخاص والعام من حيث الأجور وساعات العمل والإجازات، تنفيذ برامج خصخصة مقننة وفق أسس تحمي القطاعات المخصخصة من التعرض لسوء الاستغلال، توسيع المشاركة بين الحكومات والقطاع الخاص، ورفع تكلفة استقدام العمالة الوافدة لسد الفجوة بين أجر العامل الوافد والعامل المحلي وتحفيز القطاع الخاص لاستخدام المزيد من التقنية ورأس المال بدلاً من العمالة الوافدة الرخيصة.
ومن آليات التنفيذ أيضا ترشيد عملية استقدام العمالة الوافدة من خلال حصص توظيف لاستهداف العمالة عالية المهارة كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، وإجراء اختبارات سوق العمل كما هو معمول به في سنغافورة، اتباع المنهج المتدرج في إحلال العمالة المحلية ليساعد على الحد من أي اضطرابات قد تحدث في النشاط الاقتصادي ومن أي ضغوط على الأجور والأسعار، إعداد دراسة متخصصة لتشريعات العمل والنظام الضريبي يكون من أهدافها اقتراح نظم الحوافز وتحديد الحد الأدنى للأجر بحيث يشجع الشباب على دخول القطاع الخاص وربط الإعفاءات الضريبية للشركات بمدى مساهمتها في إعادة توزيع القوى الوطنية إلى القطاع الخاص، والتحول إلى نظم إدارية متطورة في بيئة العمل والاستخدام المكثف للتقنيات المتوافرة عالمياً مما سيسهم بدرجة عالية في كفاءة تخصيص العمل ومن ثم رفع الإنتاجية.
الترهل البيروقراطي بالأجهزة الحكومية
وشددت الهيئة الاستشارية وفق مرئياتها عن سُبل زيادة الإنتاجية، على أهمية الحد من توسع القطاع الحكومي ومعالجة الترهل البيروقراطي في الأجهزة الحكومية، وذلك من خلال تبني إعادة هيكلة الأجهزة الحكومية وتطبيق أسس الهندرة (إعادة هندسة العمليات) ونظم الحوكمة، وضع وتنفيذ برامج تدريب لموظفي الحكومة تراعي فيها الأساليب والمفاهيم التدريبية الحديثة، خصخصة بعض الأجهزة الحكومية التي تعاني من انخفاض الإنتاجية بشرط حمايتها من سوء الاستغلال، توسيع المشاركة بين الحكومات والقطاع الخاص، تضييق الفجوة بين القطاعين الحكومي والخاص في المزايا والواجبات، ووضع هدف إنتاجي حكومي طموح ليتطابق مع معدل نمو القطاع الخاص، إضافة إلى خلق المزيد من الشفافية مع الجهات المعنية بتقييم الأداء، وذلك من خلال فتح المجال للمقارنات، والمساءلة والاستقلالية في التدقيق على البيانات الحكومية، بناء القدرات الإدارية في الإدارات الحكومية من خلال تطبيق نظام الإشراف الإداري، الزيادة والتوسع في تطبيق نظام إدارة الميزانيات، إعادة النظر في كيفية تحديد ورفع مستوى الرواتب، بحيث تكون الإنتاجية هي المعيار الأساسي، وترقيات موظفي الحكومة رهينة بالأداء والكفاءة والجدارة، وتشجيع «المغادرة الطوعية» لموظفي القطاع الحكومي ومنحهم تعويضات مالية يتم تقديرها على أساس عدد سنوات الخدمة بهدف تقليص الفائض الوظيفي وتخفيف الضغط على الإنفاق العمومي، وتشجيع المستفيدين من التعويضات على إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة وخلق فرص عمل جديدة.
ومن مرئيات اللجنة أيضاً، دعوة حكومات مجلس التعاون إلى تيسير القوانين والتشريعات الخاصة ببيئة العمل والاستثمار الأجنبي عبر تبسيط الأنظمة المعقدة وتسريع الإجراءات والتركيز بالأساس على تخفيض عدد المستندات، ومدة إصدار التراخيص، تفعيل سياسة الحد من الاحتكار ورفع القيود على المنافسة الداخلية التي يعوقها الإفراط في تطبيق قوانين الوكيل الحصري، إنشاء الشباك الواحد one-stop shop أو تسريع وتيرة عمله في حالة وجوده لتسهيل إنشاء الشركات مع الحرص في التعاملات ووسائل الاتصال على استعمال التكنولوجيا الحديثة، تخفيض الحواجز أمام التجارة (التخليص الجمركي،.. إلخ)، ورفع القيود على استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر في الأنشطة ذات القيمة المضافة على مستوى المهارات والتكنولوجيا والتنظيم الإداري.
إصلاحات برامج التعليم
ودعت الهيئة الاستشارية وفق مرئياتها حول سُبل زيادة الإنتاجية إلى إدخال إصلاحات جذرية في برامج التعليم موجهة إلى زيادة الإنتاجية، وذلك من خلال التخلص من أساليب التلقين التي تهمش دور الطالب في العملية التعليمية وتطوير المناهج في المدارس والجامعات ومختلف المؤسسات التعليمية على نحو يجعلها مُحفزة للتفكير والإبداع وليس تخزين المعلومات واجترارها، التركيز على مواد أساسية في التعليم العام بدلاً من التوسع في عدد المواد المكررة التي يدرسها الطالب، إيلاء الجانب التربوي أهمية كبرى وليس الجانب التعليمي فقط، وتطوير البيئة المدرسية المادية والمعنوية من حيث ملاءمة المبنى المدرسي وتوفير الأنشطة اللاصفية، والسعي إلى إيجاد مدارس القرن الحادي والعشرين تتوافر فيها السلامة ومقومات النشاط التربوي والتعليمي.
كذلك أهمية تدريب الطلاب على اكتساب المهارات الأساسية التي تسهم في تهيئتهم لسوق العمل لاحقاً، إعادة تقييم وتدريب المعلمين بشكل دوري، توثيق العلاقة بين المؤسسات التعليمية والبيئة المحيطة بها (الأجهزة الحكومية، القطاع الخاص، والمجتمع)، التوسع في التخصصات الجامعية المطلوبة في سوق العمل، تعزيز المشاركة بين الجامعات والقطاع الخاص في تحديد التخصصات المطلوبة وتصميم مناهجها وتدريب الطلبة من أجل تهيئتهم لسوق العمل، منح الجامعات صلاحيات أوسع في إدارة شؤونها، والاستفادة من تطبيقات أساليب التدريس والإدارة المتبعة في الجامعات العالمية العريقة.
مساهمة المرأة بسوق العمل
ومن مرئيات اللجنة أيضا، اقتراحها زيادة مساهمة المرأة في سوق العمل وحسن توظيفها في القطاعات المنتجة، وذلك عبر توفير بيئة عمل داعمة للمرأة العاملة، إيجاد سبل لحل مشكلة المواصلات وتقليل تكلفتها، إيجاد محاضن للأطفال لمساعدة الأمهات العاملات في التوفيق بين متطلبات العمل ورعاية الأطفال، إيجاد أنماط عمل غير تقليدية تتمتع بالمرونة، وبذل جهود توعوية لإصلاح بعض جوانب الثقافة الاجتماعية السائدة بخصوص عمل المرأة وحقوقها.
كما أوصت اللجنة الاستشارية بأهمية تكثيف استخدام التقنية في العمليات الإنتاجية والاتجاه بقوة إلى التحول نحو الاقتصاد المعرفي، وذلك عبر تنفيذ عدد من الآليات وهي: إصلاح سوق العمل من خلال سياسات تجعل استقدام العمالة الوافدة ذات المهارات المنخفضة أمراً مكلفاً، تحفيز القطاع الصناعي من خلال سياسات دعم مناسبة، للتخلص من تقنيات الإنتاج المكثفة للعمالة منخفضة المهارة والتحول إلى تقنيات إنتاج تكثف استخدام التقنية الحديثة، تشجيع الاستثمار الأجنبي لإنشاء مشروعات في مجالات التقنية الحديثة، التوسع في إنشاء كليات التقنية وفق أحدث الأساليب المتبعة في البلدان الصناعية المتقدمة، تشجيع المبادرات الفردية للابتكار والإبداع من خلال هيئات وصناديق تقدم المشورة والجوائز والدعم الفني والمالي للمبدعين، حماية حقوق الملكية الفكرية للمخترعين والمبدعين، إصلاح وتطوير المناهج التعليمية وتكثيف المواد العلمية وخلق روح الابتكار والإبداع لدى الطلاب، تطوير قطاع الاتصالات والتوسع في تطبيقاتها في مختلف الأنشطة، والتوسع في تطبيقات التعاملات الإليكترونية الحكومية.
استخدام رأس المال وتطوير التدريب
وبحسب مرئيات اللجنة بشأن سُبل زيادة الإنتاجية، فقد أفادت بضرورة تكثيف استخدام رأس المال (المعدات والآلات) بدلاً من الأيدي العاملة وذلك للأعمال والوظائف التي تؤديها عمالة مستقدمة ذات مهارات منخفضة، وذلك عبر إصلاح سوق العمل من خلال سياسات تجعل استقدام العمالة الوافدة ذات المهارات المنخفضة أمراً مكلفاً، وتحفيز القطاع الصناعي من خلال سياسات دعم مناسبة للتخلص من تقنيات الإنتاج المكثفة للعمالة منخفضة المهارة والتحول إلى تقنيات إنتاج تكثف استخدام المعدات والآلات ذات التقنية الحديثة.
كذلك دعت إلى تطوير برامج التدريب الفني والتقني التي تقدمها المؤسسات التدريبية الحكومية، بحيث يتم مراجعة البرامج التدريبية القائمة والتأكد من ملاءمتها للمستجدات في سوق العمل، توسيع الشراكات بين المؤسسات التدريبية الحكومية والقطاع الخاص لإتاحة الفرصة للمتدربين للتدرب العملي الميداني في تلك الشركات، استقطاب مشاركة القطاع الخاص في وضع وتصميم برامج التدريب التي تلبي احتياجات القطاع الخاص من العمالة الوطنية، مواكبة التطورات العالمية في مجال التدريب التقني والفني وذلك بالاستفادة من التجارب الناجحة في هذا المجال.
كما أوصت بتطوير برامج التدريب التي تقدمها الأجهزة الحكومية في مجال الإدارة العامة بما يتجاوز البرامج النمطية الشكلية التي يلتحق بها الموظفون من أجل الترقية والتدرج الوظيفي وتوسيع فرص الموظفين للحصول على الدورات التدريبية المطورة، وذلك عبر تنفيذ آليات تتضمن تصميم برامج تدريبية مرنة ومتجددة لمعالجة أوجه النقص التي تعاني منها أجهزة حكومية معينة، وضع وتطبيق معايير تحدد مدى الاستفادة من برامج التدريب القائمة، الاستفادة من التجارب العالمية الناجحة في مجال تدريب موظفي القطاع العام، إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من موظفي القطاع العام للالتحاق بالبرامج التدريبية المطورة.
النزعة الاستهلاكية وقيم العمل منتجة
ورأت اللجنة وفق مرئياتها أهمية معالجة النزعة الاستهلاكية والركون إلى الدعة والترف في المجتمعات الخليجية، من خلال سن رسوم وكوابح ضريبية على السلع والخدمات غير الأساسية، ووضع برامج توعوية من خلال المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية ومختلف مؤسسات المجتمع المدني.
كما أشارت إلى ضرورة زرع قيم عمل منتجة تقوم على احترام العمل الشريف بصرف النظر عن نوعيته، من خلال تضمين المقررات المدرسية قيم العمل المنتج والحث عليها، إقامة أنشطة لا صفية في المؤسسات التعليمية لتعويد الطلاب على ممارسة الأعمال الحرفية واحترامها، نشر الرسائل التوعوية التي تكرس قيم العمل المنتج واحترام العمل الشريف من خلال أجهزة الإعلام والمنابر الدينية والمؤسسات التعليمية، وتحفيز المواطنين للعمل في مجالات لا تلقى القبول الاجتماعي، وذلك من خلال الدعم المالي.
وأوصت اللجنة أيضاً بأهمية زيادة ميزانيات البحث والتطوير في الجامعات والمراكز البحثية الحكومية المتخصصة وتقديم الدعم الحكومي لأقسام البحوث والتطوير في القطاع الخاص، وذلك عبر تحديد أهداف كمية لمعدل الإنفاق على البحوث والتطوير (إلى الناتج المحلي الإجمالي) والعمل على تحقيقها وفق سياق زمني محدد، وتشجيع إقامة أوقاف وكراسي أكاديمية للإنفاق على البحوث والتطوير، وإقامة صناديق متخصصة في دعم البحوث والتطوير.