(ألباييس) - إسبانيا:
تواجه البرازيل الآن تحديا هائلا. فقد بات عليها أن تشرح للعالم ولشركائها سياسيا وتجاريا في الأمريكيتين وخارجهما لماذا قرر برلمانها الإطاحة بالرئيسة ديلما روسيف التي أعاد حوالي 54 مليون ناخب انتخابها لفترة رئاسة ثانية منذ 19 شهرا.
ما الذي يمكن أن يبرر هذه المحاكمة العاجلة لرئيسة الجمهورية وتجميد صلاحياتها لمدة 6 أشهر لحين حسم قرار عزلها؟ إذا حاولنا أن نتذكر أشهر حوادث المحاكمات النيابية لرؤساء الجمهورية واستقالتهم على مر التاريخ، ستقفز قضية الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى الذهن فورا حيث اضطر إلى الاستقالة من رئاسة الولايات المتحدة مودعا باللعنات بعد الكشف عن تورط إدارته في إقامة شبكة تجسس على الحزب الديمقراطي المعارض في فندق ووترجيت في العاصمة الأمريكية واشنطن.
مثل هذه الانتهاكات الكبرى للدستور والقانون هي التي يمكن أن تؤدي إلى الإطاحة برئيس جمهورية، أما إذا تحدثنا عن البرازيل فسنذكر أن الرئيس البرازيلي فرناندو كوللر دي ميلو تنحى عن منصبه عام 1992 عندما واجه اتهامات خطيرة بالرشوة والفساد.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن روسيف لا تحاكم بتهمة السرقة ولا الإثراء غير المشروع ولا حتى تربح عائلتها خلال سنوات رئاستها الست، حيث أن المعروف عنها أنها تعيش براتبها الحكومي كرئيسة للجمهورية. وإنما تجري محاكمتها بتهمة انتهاك قانون الضرائب باستخدام الأموال العامة من أجل تعزيز حسابات ميزانية البلاد وإعطاء انطباع بأن الأوضاع المالية للحكومة جيدة قبل خوض الانتخابات الرئاسية الماضية.
والحقيقة أن هذا أسلوب قديم وهناك حالات كثيرة مماثلة له حدثت في الولايات المتحدة وفي دول أخرى عديدة وبخاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية. وهذا لا يعني بالتأكيد أن من حق الحكومات الالتفاف على الشفافية المقررة للحسابات العامة لكنه بالتأكيد لا يمكن أن يكون مبررا لمحاكمة رئيس جمهورية وعزله.
الشيء الجيد في الديمقراطيات الغربية هو أنها تضمن العملية الانتخابية وفقا لشروط محددة في دساتيرها. وإذا ارتكب الرئيس أو رئيس الوزراء خطأ كبيرا في إدارة شئون الدولة فإنه سيدفع هو أو حزبه الثمن في الانتخابات التالية. في الوقت نفسه، فإن الرئيس أو الحزب الحاكم له الحق بل وملتزم باستمراره في الحكم حتى تجري الانتخابات التالية. الأكثر من هذا فأي دولة لا يمكن أن تعيش في حالة حملات انتخابية دائمة، كما أنها لا يمكن أن تحدد مصير حكامها على أساس استطلاعات الرأي.
حاليا تقول استطلاعات الرأي إن 61 % من البرازيليين طالبوا الرئيسة بالاستقالة. ولكن هذا الوضع كان صحيحا أيضا في عام 1978 حيث كانت أغلبية الأمريكيين يحلمون نفس المشاعر تجاه الرئيس جيمي كارتر الذي كان قد تولى السلطة في ظل أزمة اقتصادية مشابهة لتلك التي تمر بها البرازيل حاليا. لكن الأمريكيين انتظروا حتى جاء عام 1980 واتجهوا إلى مراكز الاقتراع في الانتخابات الرئاسية فصوتوا لصالح منافسه رونالد ريجان بأغلبية ساحقة ليخرج كارتر من البيت الأبيض بعد 4 سنوات فقط.
ما يجري في البرازيل حاليا هو كارثة علاقات عامة عالمية، حيث يجري استغلال موجة من الغضب الشعبي من أجل إضفاء شرعية على عملية احتيال سياسي. باختصار، هذه عملية يقودها أعضاء برلمان من المحتمل جدا أن يكونوا متورطين في ممارسات فساد أكبر من تلك المتهمة بها روسيف. فأكثر من نصف أعضاء البرلمان البرازيلي واجهوا تحقيقات قضائية للاشتباه في تورطهم في جرائم مثل الخطف أو السرقة.
على سبيل المثال فإن عضو البرلمان البرازيلي جاير بولسونارو الذي صوت لصالح تعيين كارلوس ألبرتو أوسترا لرئاسة لجنة محاكمة روسيف، كان قد صوت لصالح تكريم مسئولون في نظام الحكم العسكري. والمعروف أن أوسترا متهم بارتكاب فظائع في ظل سنوات الحكم العسكري السابق الذي كان قد استولى على السلطة في 1964 ومنها جرائم تعذيب روسيف نفسها. كما أن ابنه عضو في البرلمان البرازيلي.
قبيل انقلاب عام 1964 نشرت إحدى الصحف الكبرى على صفحتها الأولى دعوة إلى تشكيل «حكومة حاسمة غير حزبية وديمقراطية» تتبنى «إجراءات استثنائية للتعامل مع الموقف الاستثنائي القائم الذي لا يمكن السكوت عليه أكثر من هذا». جاءت هذه الدعوة والانقلاب كان على الأبواب لتدخل بعده البرازيل واحدة من أسوأ فترات تاريخها.
كان انقلاب 1964 يتمتع بشعبية كبيرة في البداية. كما كان مشروعا في أعين الكثيرين. لكن مؤيدي هذا الانقلاب فشلوا في إدراك أن الديمقراطية الحقيقية هي التي تعكس آمال الأغلبية بما في ذلك هؤلاء الذين يدعون إلى ضرورة احترام نتائج العملية الانتخابية حتى إذا كانت واحدة من أكبر دول أمريكا اللاتينية تواجه زعزعة لاستقرارها.
- ديفيد ألانديتي