(الإندبندنت) - بريطانيا:
في ليلة رأس السنة الميلادية لعام 2011 كنت في فندق بإحدى الجزر المتناثرة على ضفاف نهر النيل في محافظة أسوان بأقصى جنوب مصر. كانت المباني التاريخية القديمة التي يعود طرازها إلى آلاف السنين تزين هذه المدينة الرائعة حيث جئت قبل خمس سنوات فقط ضمن آلاف السائحين.
في تلك الأيام كانت أصوات «الربيع العربي» ترتفع داخل تونس، في حين كانت مصر تتلألأ كمقصد سياحي بعد أن نجحت السلطات المصرية في كبح جماح الهجمات الإرهابية التي كانت تستهدف المواقع التاريخية والمنتجعات السياحية في البلاد، وأصبح السائحون يتدفقون على مصر بأعداد كبيرة للغاية.
في ذلك الوقت أيضا لجأت شركة الطيران البريطانية «بريتش أيروايز» إلى استخدام طائرات بوينج العملاقة لمواجهة الطلب الكبير على السفر إلى منتج شرم الشيخ المصري على ساحل البحر الأحمر، كما بدأت شركة تومسون وهي شركة سياحة بريطانية في تسيير رحلات طيران مباشر إلى أسوان وهي الرحلات التي قدمت على إحداها إلى هذه المدينة البديعة. وازدهر نشاط المراكب النيلية حيث كانت هذه المراكب هي الخيار المفضل لتنقل السياح بين أسوان والأقصر. وكان مكتب شركة مصر للطيران في أسوان يعج بالسائحين الذين يبحثون عن مقعد على الطائرات المتجهة إلى مدينة أبو سنبل التي قامت مصر، بالتعاون من منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو)، بنقلها من مكانها الأصلي إلى مكانها الحالي أقصى جنوب مصر حتى لا تغرقها مياه النيل بعد بناء السد العالي. وفي حين كان السياح يستمتعون بأفضل الأوقات، كان سكان المدينة أيضا يتمتعون بوقت مزدهر سواء كانوا تجار السوق أو سائقي سيارات الأجرة والمرشدين السياحيين وذلك بفضل ازدهار السياحة.
وحتى قبل الحادث المأساوي لرحلة طائرة مصر للطيران رقم إم.إس 804 القادمة من باريس إلى القاهرة، فإن السياحة المصرية كانت تعيش أسوأ أوقاتها. ففي فجر31 أكتوبر من العام الماضي فقد 224 شخصا حياتهم على متن طائرة شركة متروجيت الروسية التي سقطت خلال رحلتها من شرم الشيخ إلى مدينة سان بطرسبرج الروسية. ويعتقد المحققون أنه تم وضع قنبلة على متن الطائرة في مطار شرم الشيخ. وتم فرض حظر على الرحلات الجوية إلى مصر، وتوقفت حركة السياحة بشكل خاص إلى مدينة شرم الشيخ أحد أهم مقاصد مصر السياحية. وأصبحت الفنادق والمطاعم والمقاهي في تلك المدينة التي ينظر إليها على أنها المعادل المصري لمدينة لاس فيجاس الأمريكية شبه خالية خلال فصل الشتاء وهو موسم السياحة الأجنبية الرئيسي بالنسبة لها. وقد أنفقت الحكومة المصرية عشرات الملايين من الدولارات لتعزيز إجراءات الأمن والسلامة في مطاراتها بعد حادث الطائرة الروسية.
ولكن في حين يبحث المحققون عن أسباب حادث سقوط طائرة مصر للطيران رقم إم.إس 804 ووفاة كل ركابها وعددهم 66 شخصا، فإنه من المتوقع تجميد كل التحركات الرامية إلى رفع الحظر المفروض على الرحلات الجوية إلى مصر. وفي الظروف العادية، فإن العملية التي قام بها شخص مصري باختطاف طائرة في رحلة داخل البلاد وإجبارها على الهبوط في قبرص باستخدام حزام ناسف وهمي، كانت ستصبح مادة للسخرية ولكن هناك حساسية عالمية مبالغ فيها بالنسبة لأي شيء يتعلق بالسياحة في مصر. ورغم ذلك فإن كل هذه الأحداث تجعل الوقت الراهن هو أفضل الأوقات لزيارة مصر التي تمتلك أكبر مجموعة من الآثار في العالم.
القيام برحلة سياحية إلى مصر في الوقت الراهن لن تعني فقط أنه سيكون في مقدور السائح أن يستمتع بعظمة الأهرامات في الجيزة ووادي الملوك في الأقصر بعيدا عن الزحام المعتاد في الظروف الطبيعية، لكنه أيضا سيشعر بالفخر لأنه ساهم في دعم أحد أهم المقاصد السياحية في العالم أثناء الأزمة التي تمر بها. فهذه الرحلة تعني المساهمة في دعم روائع المتحف المصري وسياحة الغطس في دهب ودعم آلاف البشر الذين يعملون في قطاع السياحة.
إذن التعامل الممكن الوحيد مع مأساة السياحة في مصر الآن والرد على المتطرفين والإرهابيين الذين يسعون إلى تدمير حياة ملايين المصريين الذين يعيشون على السياحة في مصر، هو عودة السياح بأعداد كبيرة إليها.
- سيمون كالدر