خرج المواطنون الأتراك في وجه الانقلابيين العسكر في منتصف شهر تموز المنصرم، بكل فئاتهم، بمن فيهم المنتمون للأحزاب العلمانية المعارضة للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه، ليس لحبهم جميعاً للرئيس أردوغان أو تأييدهم المطلق لشخصه، وإنما لحرصهم على حفظ نظام دولتهم الذي يقوم على شرعية المؤسسات الدستورية المستقرة.
وآلت دول الربيع العربي إلى الفوضى والدمار الذي حلَّ بأكثرها، بسبب خلوّها من البناء المؤسسي الذي يُجْمِع المواطنون -بكل أطيافهم- عليه، ويلتقون عنده، ويرضون به. ففي غياب هذا البناء، لم يكن لمواطني هذه الدول سوى الركون لانتماءاتهم الضيّقة، سواء أكانت قبلية أم إثنية أم مذهبية أم دينية، على حساب الوطن وحفظ أمنه واستقراره. ولم يمنع جبروت حكام هذه الدول من وقوع ما حلَّ بهم وبدولهم وشعوبهم، بل هو ما هيّأ لكل هذا أن يحدث.
والمؤسسات لا تقوم بين ليلة وضحاها، ويلزم لقيامها واستقرارها بعض أساسيات. فالدول التي نجحت في هذا المضمار، قامت المؤسسات في أكثرها، وترسخت، عبر مدةٍ طويلةٍ من الزمن، وسادت فيها مفاهيم الاقتصادات الحرة التي هيّأت لتوفير فرص العمل الواعدة للمواطنين، وأفضت إلى نشوء طبقة وسطى كبيرة تنعم بمستوى من العيش الكريم، ولها مصلحةٌ في دوام السلم والاستقرار. ودول الربيع العربي التي حل بها الدمار والتمزق لم يتح لها خوض هذه التجربة، وهي خلوٌّ من الاقتصاد الواعد والطبقة الوسطى المؤثرة.
ودول المؤسسات تنعم بسلطة القانون، واستقلال القضاء، وحرية الإعلام. فبدون هذه المقومات تضيع الحقوق، ويستشري الفساد، ويغيب الاستثمار، ويكسد الاقتصاد، كما هي حال دول الربيع العربي التي خلت من هذه الأساسيات.
وممارسة العمل المؤسسي لا تأتِي بتلقائية، وإنما في نقلات تهيئ لقرارات تقدم مصلحة الوطن وتنظر إلى مستقبله. وهي ممارسة لا تخلو من التحديات والصعوبات، ولكنها أحرى بالاستقرار والبقاء من سواها، أو كما قال رئيس وزراء بريطانيا السابق، ونستون تشرشل: إنها «أسوأ نظام حكم، إلا إذا قارنتها بالأنظمة الأخرى».
- زياد بن عبد الرحمن السديري