محمد بن فهد العمران
عندما نقرأ الأخبار الخاصة بزيارة سمو ولي ولي العهد - حفظه الله - للولايات المتحدة مؤخراً وما تخلل هذه الزيارة الكريمة من اجتماعات مع كبرى الشركات الأمريكية لمناقشة دخولها إلى الاقتصاد السعودي كاستثمارات أجنبية مباشرة، سنعلم جيداً أن الدولة بدأت العمل فعلاً وبشكل جاد وصحيح في تنفيذ الرؤية السعودية 2030م وبرنامج التحول الوطني 2020م وأن الدولة أيضاً تسابق الزمن لتحقيق الانفتاح الاقتصادي أمام الاستثمارات الأجنبية ذات القيمة المضافة من حيث النوع والحجم وهذا بلا شك رائع كنا نتمنى رؤيته منذ سنوات طويلة.
وعندما نعود للوراء قليلاً لنعيد قراءة تاريخ سياستنا الاقتصادية أمام الاستثمارات الأجنبية سنجد أنها خلال عقود من الزمن افتقدت للمصداقية والوضوح، فسنجد مثلا أن تطور القطاع المصرفي في المملكة منذ منتصف السبعينات الميلادية ووصوله اليوم إلى مستويات متقدمة لا تقل مكانة عن كبرى المؤسسات المالية عالمياً أو إقليمياً كان سببه الرئيسي هو تشجيع ودعم وجود المصارف الأجنبية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وهولندا من خلال احتفاظ الشركاء الأجانب بحصص أقلية في رؤوس أموال بعض المصارف في المملكة لا تتعدى 40 في المئة، رغم أننا كنا نملك فرصة تحويل رؤوس أموالها إلى ملكية سعودية بنسبة 100 في المئة.
في المقابل سنجد أننا خلال نفس الفترة، انتهجنا سياسة اقتصادية مختلفة مع الاستثمار الأجنبي في شركة أرامكو حين قامت الحكومة عام 1980م برفع نسبة تملكها في رأس مال الشركة من 60 في المئة إلى 100 في المئة دون إبقاء ولو نسبة صغيرة من رأس المال بيد الاستثمار الأجنبي (لا تتعدى مثلا 5 في المئة أو 10 في المئة) ليس لتطوير الشركة فحسب بل لاعتبارات سياسية بحتة تتعلق بوجود مصالح مشتركة أدركنا أهميتها في هذا الوقت، ولا أدري حقيقة سبب هذا الاختلاف في سياستنا الاقتصادية بين قطاعي المصارف والنفط رغم أهميتهما وقد يكون مرد ذلك هو حساسية وضع شركة أرامكو كشركة مسؤولة عن أهم موارد الدخل الوطني ونتفهم ذلك.
بعيداً عن أخطاء الماضي، يبدو لي أننا الآن أصبحنا واضحون مع أنفسنا ومع الآخرين في اتباع سياسة واضحة تهدف لجذب الاستثمارات الأجنبية ذات القيمة الحقيقية المضافة ومن دول ذات ثقل سياسي واقتصادي عالمي من خلال دخولها المباشر للاقتصاد السعودي وضخها لرؤوس أموال مملوكة لها بنسبة 100 في المئة ستضيف للناتج المحلي الوطني وستخلق فرص عمل جديدة للشباب السعودي وسترفع من درجة المنافسة المحلية وستحسن من مستوى الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم، والأجمل أن ذلك يتم في جو من المنافسة الشريفة مع دول المنطقة التي سبقتنا في ذلك لسنوات طويلة والأهم دون الإضرار بالمستثمرين السعوديين الحاليين.
اللافت أن تجربتنا الحالية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة تختلف جذرياً عن تجربتنا السابقة في بداية الألفية الحالية عندما قامت الهيئة العامة للاستثمارات (ساقيا) قبل أكثر من 10 سنوات بتبني مبادرات غريبة وغير واضحة أيضاً كانت تهدف لجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال إعطاء أفضلية للمستثمر الأجنبي على حساب المستثمر السعودي إلى جانب جذب استثمارات أجنبية ذات نوعية رديئة أو ذات حجم متواضع لا يعكس أهمية الاقتصاد السعودي أو طموحاته، وكل ما أرجوه أننا الآن بإذن الله لن نكرر أخطاء الماضي وأن نكون واضحون في سياستنا الجديدة للانفتاح الاقتصادي سائلين التوفيق والنجاح من الله العلي القدير.