د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
انزعجت السعودية في الفترة الماضية من أن الولايات المتحدة أطلقت يد إيران في المنطقة حرصاً على تمرير الملف النووي، وأطلقت يد روسيا بسبب الملف الأوكراني من أجل استنزاف دول المنطقة، لكنها في المقابل رسمت أهدافاً لكل دولة لا تسمح لها بتجاوز ما رسمته لها، مما خلق صراعاً دامياً اتسعت دائرته امتد حتى أوروبا، ويمكن أن يمتد إلى الولايات المتحدة.
كما شهدت العلاقات الأميركية الخليجية فتوراً في الفترة الماضية بسبب تصريحات للرئيس الأمريكي أوباما، حيث قال في سلسلة من المقابلات المطولة نشرت في مجلة أتلاتنيك، إنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة مواصلة التقيد بالسياسة الخارجية لواشنطن عن طريق تقديم الدعم التلقائي للسعوديين وحلفائهم، معتبراً أن المنافسة بين إيران والسعودية أدت إلى حروب بالوكالة وإلى الفوضى من سوريا إلى العراق واليمن، واعتبر أن الوقوف إلى جانب دول الخليج سيجبر الولايات المتحدة على استخدام القوة العسكرية لتعديل النتائج، ويطالب أوباما السنة والشيعة بالتوصل إلى طريقة فعالة للتعايش وحسن الجوار وتأسيس نوع من السلام البارد.
رد عليه السفير السعودي السابق في واشنطن الأمير تركي الفيصل قائلاً بأن أميركا هي المستفيد الأكبر من السعودية وليس العكس، وأكد بأن السعودية ليست من يمتطي ظهور الآخرين لتبلغ مقاصدها، وأكد بأن السعودية تقود في المقدمة وتعترف بأخطائها تصححها وتستمر في اعتبار الشعب الأمريكي حليفاً.
مما فرض على السعودية القيام بتشكيل تحالفات خليجية وعربية وإسلامية ودولية وسط زيادة حدة التوتر في التحالف الأميركي السعودي، إذ أطلقت السعودية ائتلافين عسكريين في الأشهر الخمسة عشر الماضية.. واحد يتألف من تسع دول عربية للقتال في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، والآخر يتألف من 34 دولة بهدف مكافحة الإرهاب.
والتوتر الآخر بين السعودية وأمريكا كان في وضع الأمم المتحدة دول التحالف على القائمة السوداء بسبب انتهاكات لحقوق الأطفال نتيجة الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف في اليمن ضد الانقلابيين، لكن نتيجة الضغط السعودي بأن الأمم المتحدة لم تبن تقريرها على إحصاءات دقيقة، فتم رفع دول التحالف من القائمة.
الزيارة تهدف إلى تحسين العلاقات المتوترة مع واشنطن والترويج لخطة التحول الوطني الرامية لإنهاء اعتماد السعودية على عائدات النفط، ما جعل السناتور الجمهوري بوب كوركر الذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية عندما علق وقال: أعرف أن هناك تحديات ثقافية هائلة سيتعين على الأمير محمد بن سلمان أن يتغلب عليها لكن إذا نجح 50 في المائة فسيكون قد حقق شيئاً.
فقبل زيارة ولي ولي العهد إلى الولايات المتحدة بيوم واحد بتأكيد رئيس الاستخبارات الأمريكية برينان إشارات حسن نوايا بالتأكيد أن لا علاقة للسعودية بأحداث 11 سبتمبر كان يقودها أعضاء نافذون في الكونغرس وفي لجنة التحقيقات التي تبحث في ملابسات الهجوم مستغلة البرود غير المسبوق بين السعودية والولايات المتحدة لأكثر من ثمانية عقود باعتبار أن الغالبية العظمى من منفذي الهجمات من السعودية، بذلك يكون قد بذلت السعودية جهوداً قبل الزيارة في غلق ملف الادعاءات ضد السعودية.
تكتسب زيارة الأمير محمد بن سلمان أهمية كبرى في طريق تعزيز الشراكة العتيقة بين الرياض وواشنطن، بعد ملامح الفتور في جدية الإدارة الأمريكية التي تقترب من أشهر الوداع في قضايا الشرق الأوسط، وخصوصاً في تعاملها مع إيران والأزمة السورية كون الحليفين القديمين يعدان اللاعبين البارزين في المنطقة يستطيعان تغيير مجريات الأمور بفعل دبلوماسية ووضع اقتصادي واستقرار كبيرين.
يمكن تعزيز شراكة القرن الـ21 من خلال ثلاثة ملفات هي السياسة والأمن والاقتصاد التي هي على طاولة المفاوضات في تلك الزيارة، لأن المنطقة العربية ستكون مسرحاً لدور فاعل لعلاقات أكثر تنسيقاً واستقراراً بين السعودية والولايات المتحدة.
وتُشكّل زيارة الأمير محمد بن سلمان محور اهتمام بالغ، بعدما وصفته بعض مراكز الأبحاث الأميركية بأن واشنطن تفقد ثقة السعودية يوماً بعد آخر في إدارة أوباما، إذ كانت إدارة أوباما تتخذ موقفاً غير مرحب من قبل السعودية بشأن الأحداث في مصر خصوصاً بعد سقوط حكم الإخوان، وتلكؤ في توجيه ضربة للنظام ا لسوري بعد استخدام الكيماوي ضد شعبه، وزاد التوتر بين البلدين بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران على حساب دول المنطقة، وبالفعل شجع الاتفاق النووي نشاط إيران في المنطقة.
اتسعت دائرة الخلافات بين السعودية وواشنطن رغم أن الدولتين تتفقان على أن لا مكان للأسد في مستقبل سوريا، لكن السعودية تصر على رحيل الأسد عبر تسوية سياسية أو عملية عسكرية، وأنه لا يمكن فصل الإرهاب عن حل الأزمة في سوريا.
تأتي الزيارة على إيقاعات مختلفة من كشف وكالة المخابرات الأميركية عدم ضلوع السعودية في أحداث 11 سبتمبر في تأكيد على أن السعودية تحارب الإرهاب، وتعمل بشكل قوي في تجفيف منابعه، فيما كشف التقرير عن قصور في الدور الاستخباراتي داخل الولايات المتحدة، أي أن السعودية أصبحت في موقع ثقة بقدراتها بالتحالف مع بقية دول الخليج في مجلس التعاون لحفظ الأمن والاستقرار وحماية الإقليم من التهديدات الإيرانية.
حيث بدأت الإدارة الأميركية استيعاب خطورة التهديدات الإيرانية المستمرة، حيث جاءت قمة الرياض الخليجية الأمريكية التي استضافتها الرياض في أبريل 2016 التي غلب عليها الملف الأمني وطغت عليها التدخلات الإيرانية، حيث أبدى أوباما في نهاية تلك القمة قلقه من السلوك الإيراني الذي يدعم الجماعات الإرهابية متعهداً بمراقبة سفن نقل الأسلحة في المنطقة، وسبق هذه القمة لقاء تاريخي في كامب ديفيد بين الرئيس أوباما وقادة دول الخليج ولكن بغياب الملك سلمان احتجاجاً على الاتفاق النووي، رغم ذلك خرج الاجتماع أن أميركا ودول الخليج سيعملون معاً للتصدي لأنشطة إيران التي تزعزع أمن المنطقة.
هناك أسباب كثيرة وراء أهمية هذه الزيارة في ظل الاضطرابات السياسية التي تمر بها المنطقة خصوصاً أن الدولة حريصة على إظهار السعودية ليس فقط كقوة دينية، وإنما كقوة عسكرية أيضاً، ويتواكب ذلك مع تشجيع إدارة أوباما للسعوديين بالاعتماد على أنفسهم في حماية أمنهم، وسيكون الجانب الأكبر في المناقشات مع كبار المسؤولين الأمريكيين هو الأزمة السورية وكيفية دفع البيت الأبيض إلى تبني خطة تقود خروج الأسد وإمدادات جماعات المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطائرات لمحاربة قوات الأسد.
في ظل هذه الأوقات الصعبة فقد حان الأوان أن تكون العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية أكثر تقارباً وتعاوناً لمكافحة الإرهاب، فمنذ 2003 عملت السعودية مع الولايات المتحدة في مكافحة مخططات تنظيم القاعدة التي شنت هجمات مباشرة داخل السعودية، ونجحت السعودية في مكافحة الإرهاب وإحباط عدد من الهجمات الإرهابية، إضافة إلى دور الرياض كشريك أساسي في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحركات الإرهابية، وخلال السنوات الماضية ثبت أن السعودية كانت شريكاً لا غنى عنه في مكافحة القاعدة والآن في مكافحة تنظيم داعش، حيث ما زال هناك كثير من الواجب القيام به في مجال ومواجهة الأفكار والأيديولوجيات المتطرفة وقطع الأموال عن الجماعات والتنظيمات التي تروّج لأفكار التطرف العنيف.
الزيارة لها أصداء واسعة داخل أروقة المؤسسات الأمريكية ليلتقي الأمير محمد بن سلمان بعدد كبير من أعضاء وقادة الكونغرس الأميركي شملت الكثير من قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ورؤساء وأعضاء بارزين في لجان الشؤون الخارجية والشؤون العسكرية في كل من مجلسي الشيوخ والنواب.
وجرى الحديث مع جون كيري خلال مأدبة الإفطار الذي عقده ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع جون كيري في المنزل الخاص بكيري في حي جورج تاون بوسط العاصمة واشنطن، لها عدد من الاعتبارات، وتم في اللقاء مناقشة الملف السوري، والوضع في ليبيا واليمن إضافة إلى سبل تعزيز مكافحة الإرهاب.
وحينما سئل كيري عن تلك المحادثات نافياً وجود خلافات بين الجانبين حتى إنه قال إذا سألتموني إذا ما كان هناك فارق فلسفي كبير بين السعودية والولايات المتحدة حيال كيفية المضي قدماً على أرض الواقع في سوريا فالجواب هو لا، حتى إن كيري قال لولا الدور السعودي لما وجدت المجموعة الدولية لدعم سوريا، والتي تضم نحو 20 دولة، وتسعى لإيجاد حل سياسي للنزاع السوري، ولولا القيادة السعودية لما كان الاجتماع الأول لجماعات المعارضة في ديسمبر 2015 في الرياض، وقد كانت السعودية منذ البداية مع الولايات المتحدة وروسيا وتركيا تعمل لتحريك هذه العملية إلى الأمام.
كما تؤسس الزيارة لعلاقة اقتصادية تشاركية إستراتيجية بين البلدين حيث بلغ التبادل التجاري بين البلدين 45.3 مليار دولار عام 2015، ولن تقتصر الشراكة على المجالات التقليدية كالبترول مثلاً بل هي شراكة إستراتيجية بعيدة المدى ذات عمق، حيث تشمل العمليات الاستثمارية الرئيسية إنشاء شركة صدارة الكيمائية، وهي مشروع مشترك بين شركة داو للكيماويات وشركة أرامكو السعودية، قدرت تكاليفه بأكثر من 20 مليار دولار وهو أكبر مشروع بتروكيميائي يشهده العالم.
عالمية الرؤية السعودية ستفتح الباب أمام شراكة دولية وقودها الكفاءات الوطنية، وما يزيد وثوقية الرؤية أنها لم تضع لنفسها أطراً اقتصادية فقط كما يعتقد المنتقدون والمشككون بل أخذت في الاعتبار البعدين الثقافي والاجتماعي بالتوازي مع هذا العمل الدؤوب لتفعيل برنامج التحول الوطني وتمكينها، إنه تحول يستهدف احتياجات الجيل الأصغر وما يتطلعون إليه من طموحات.
اختار الأمير محمد بن سلمان زيارة وادي السليكون في محطته الأخيرة التي تمتلك ثقة عامة ومتصاعدة بوادي السيلكون من جهة استقطاب الاستثمار بلغت 78 في المائة من الجمهور، مقارنة بأقل من 60 في المائة يثقون بعالم المصارف وفقاً لاستطلاع (أديلمان)، سبق هذه الزيارة إرسال رسالة قوية تمثلت في استثمار الصندوق السيادي السعودي في أوبر أحد أهم منتجات الثورة الرقمية بـ3.5 مليار دولار، ما يعطي زيارة السليكون زخماً اقتصادياً يصب في أوردة الرؤية وشرايين صندوقها الاستثماري الأكبر على مستوى العالم، عبر عقود وتفاهمات مقبلة مع شركات التكنولوجيا الكبرى على غرار ما حدث مع أوبر العالمية.
نجد (داو كيميكال) تدشن أول استثماراتها في السعودية بمراكز للخدمات اللوجستية لمنتجات داو التي يتم استيرادها، من خلال المنتجات المبتكرة التي ستفيد السعودية في مجالات التنمية المستدامة، وهي تجمع في نشاطاتها التجارية بين قوة العلم والتكنولوجيا والابتكار بضرورات التقدم الإنساني، حيث تقود الشركة الابتكارات التي تستخرج من المواد البوليمر والكيمائية والعلوم البيولوجية، لمواجهة كثير من المشاكل الأكثر تحدياً في العالم مثل الحاجة إلى المياه النظيفة وتوليد الطاقة النظيفة والحفاظ عليها، وزيادة الإنتاجية الزراعية المتكاملة، والمحافظ الرائدة في صناعة سوق داو الكيمائية المتخصصة، والمواد المتقدمة، والعلوم الزراعية والبلاستيك حيث وصلت مبيعاتها في عام 2015 نحو 49 مليار دولار، ويتم تصنيع أكثر من 6 آلاف منتج للشركة في 179 موقعاً في 35 بلداً في جميع أنحاء العالم، خصوصاً أن الشركة تركز على مشاركة المرأة في القوى العاملة المحلية.
فإما تكون مبادراً وجزءاً من التأثير الإيجابي القادم، وإما تنتظر تأثير الآخرين بإيجابية وسلبية خصوصاً والسعودية من الدول المصنفة من أكثر الدول استهلاكاً لمنتجات التقنية وتطبيقاتها.