د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
التحديات بين دول مجلس التعاون الخليجي تتشابه، مثل انخفاض أسعار البترول، وهيمنة العمالة الوافدة على الاقتصادات، لذلك جاء اللقاء التشاوري السادس عشر في جدة في 1 /6/2016 بين قادة دول المجلس والذي خرج بالموافقة على إنشاء هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية بالإجماع، لما لمسوه من تأخر تنفيذ القرارات المعتمدة خلال السنوات الماضية من عمر المجلس منذ إنشائه في 1981.
الهيئة تحل محل اللجان واللقاءات السابقة بين دول الخليج لكنها في النهاية لا تصل إلى المأمول منها، ومتابعة تنفيذ رؤية الملك سلمان الخاصة بتعزيز العمل الخليجي المشترك، خصوصاً بعدما أثبتت دول المجلس بأنها صخرة أمن واستقرار وازدهار من أجل أن تصبح سادس أقوى قوة اقتصادية في العالم بحلول عام 2030، خصوصاً أن هذه الهيئة ستكون لها صلاحيات البت في المواضيع وإيجاد الحلول وطرحها على القادة مباشرة لإقرارها، حيث الفكرة من إنشاء الهيئة هي اتخاذ القرارات اللازمة لتطبيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس.
خصوصاً وأن المنطقة وبشكل خاص دول الخليج تمر بظروف استثنائية تستدعي إيجاد حلول غير تقليدية لتوحيد جهود دول المجلس لتحقيق التكامل والتنمية الاقتصادية بسبب أن دول المجلس تمتلك العوامل المساعدة على الاتحاد الخليجي.
عوائق الاتحاد الجمركي والعملة الموحدة هما أبرز تحديات التكامل الخليجي، وهي بحاجة إلى العمل بشكل متكامل لخلق تكتل اقتصادي قوي عالمياً، حتى يتواكب مع متطلبات الاقتصادات ككتلة اقتصادية واحدة، حتى تتحرك دول المجلس حركة واحدة سيكون لها وقع كبير في جلب الاستثمارات والنهوض باقتصادات موحدة ومتميزة.
حيث ترى دول المجلس أنه من الضروري أن تتوقف إيران عن وقف دعمها للإرهاب بكل أشكاله مما ينعكس على الاستقرار في المنطقة العربية، إضافة إلى وقف التدخل في شؤون الدول الأخرى خصوصاً دول الخليج العربي، ولدى دول المجلس مواقف ثابتة حيال القضايا العربية والدولية، وهناك عزم لدى دول الخليج على الاستمرار في تقديم الدعم اللازم للأشقاء في كافة الدول العربية لاستعادة أمنهم واستقرارهم.
كانت وما زالت تلعب دول المجلس دوراً محورياً على كافة الأصعدة، وهذا نهج المنظومة الخليجية في العملية التكاملية مع أشقائها، حيث كانت إيران تعتبر البحرين المحافظة الرابعة عشرة في إيران حتى عام 1971، وعندما فشلت في الهيمنة على البحرين بسبب أن السعودية وقفت أمام هذه الهيمنة، اعتقد الشاه أن العالم سيقف بجانبه مكافأة له على تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود من ميناء بوشهر الإيراني وتضرب القوات المصرية بسيناء في حرب 1967، لذلك سارع الشاه في المقابل البحث عن خاصرة رخوة، فاتجه إلى احتلال الجزر العربية الإماراتية الثلاث.
لكن عادت إيران في 2011/11/14 مرة أخرى بحجة دعم ثورات الربيع العربي التي ضربت المنطقة العربية بدعم محاولة انقلابية في البحرين، لكن درع الجزيرة بقيادة السعودية منع حدوث مثل هذا الانقلاب الذي مثل صفعة أليمة تلقتها إيران وواصلت انتقامها من السعودية بشكل خاص، ولن تتنازل دول الخليج عن الجزر الإماراتية الثلاث التي احتلتها إيران تتحين فرصة استعادتها.
لذلك ناقشت القمة ثلاثة ملفات أمنية من الملف الأمني في اليمن والتطورات العسكرية في الأنبار والفلوجة، والوضع السوري، وهذه الملفات معنية بها منظومة دول الخليج، ولا بد من سياسة موحدة لمواجهة هذه المخاطر بشكل ثابت وقوي.
في المقابل نجد رفسنجاني رغم أنه لا يمتلك منصباً رسمياً من أجل تهوين احتقان وتضجر دول الخليج اعترف بتورط إيران في أزمات المنطقة، ويعتبر انسحابها ليس سهلاً، رغم ذلك لن تصغي منظومة دول الخليج كثيراً إلى مثل تلك التصريحات، خصوصاً أن هناك تصريحات معاكسة هاجم فيها قائد الحرس الثوري الأسبق محسن رضائي وزير الخارجية السعودي بعبارات عنصرية.
بجانب تأكيد مساعد وزير الخارجية أمير عبد اللهيان بأن طهران حازمة في مواصلة دورها الاستشاري في المنطقة، مؤكداً استمرار تحرك إيران العسكري في سوريا، واعتبر دور إيران مصيرياً لضمان أمن واستقرار دول المنطقة والعالم حسب ادّعائه، وفي نفس الوقت يدافع الأمين العام في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني عن قرار إيران التدخل في سوريا والعراق وربط تدخل إيران بقواتها الإقليمية قائلاً: لو لم تكن إيران قوية فإن الدول الصغيرة تستعرض قوتها ضدنا، وأكد أن الوقت ليس زمن الحروب التقليدية وإنما زمن الحرب بالوكالة.
بذلك يدرك قادة دول الخليج أن الأمن الإقليمي والعربي مرتبط بتحقيق التكامل الاقتصادي، لذلك نجد الشيخ محمد بن راشد يصرح بأن الملك سلمان يقود حراكاً خليجياً وعربياً لترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، والوقوف أمام التدخلات الخارجية كافة.
وعندما سُئل عادل الجبير حول الضمانات الروسية لعدم تدخل إيران في الشأن الداخلي الخليجي، أوضح أن روسيا ليس لها علاقة بذلك، وقد عبرت عن أملها في أن تكون علاقات بين دول مجلس التعاون وإيران مبنية على مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين، في حين أن السعودية وبقية دول المجلس تأمل ألا تعود إيران إلى التدخل في شؤون المنطقة بدعمها الإرهاب في المنطقة ونشر المليشيات الطائفية في البلدان العربية وزعزعة الأمن والاستقرار في هذه الدول.
اتفق وزراء التخطيط والتنمية في دول مجلس التعاون على خطة إستراتيجية خليجية مشتركة بعيدة المدى لما بعد 2030 تتوافق مع الرؤية السعودية استعداداً لمرحلة جديدة من العمل الخليجي المشترك وضرورة إيجاد آليات تعزز التنمية الشاملة تحقق التكامل الإنمائي الخليجي المشترك بهدف تطوير رؤية موحدة لتفعيل العمل الجماعي لإعداد الخطط التنموية والإستراتيجية المشتركة لتعظيم التكامل الاقتصادي الخليجي.
حيث يتمحور العمل حول جوانب مهمة في العمل التنموي الخليجي المشترك، ومنها وضع إستراتيجية خليجية للتنمية البشرية، وتعزيز التعاون في مجال المشاريع التنموية الكبرى المشتركة، وتحسين ترتيب دول المجلس في المؤشرات التنموية الدولية.
العمل الخليجي المشترك على أعتاب انطلاق وتحديد مؤشرات دولية لقياس مدى نجاح نتائج الاجتماعات التي عقدت عاماً بعد عام لمعرفة مدى تأثيرها على الاتجاهات والخطط الخاصة بدول مجلس التعاون الخليجي، بهدف الوصول في وضع إستراتيجية خليجية موحدة على مستوى دول مجلس التعاون.
حيث ارتفعت التجارة البينية لدول المجلس من 60 مليار دولار عام 2010 إلى أكثر من 146 مليار دولار عام 2014 نصيب السعودية منها 74.7 مليار دولار، كذلك ارتفعت التجارة البينية العربية من 163 مليار دولار عام 2010 إلى 227 مليار دولار عام 2013.
كما ارتفعت التجارة البينية بين دول التعاون الإسلامي بنسبة 223 في المائة خلال 10 سنوات في عام 2015 إلى 878 مليار دولار استحوذت دول الخليج على نسبة 35 في المائة من هذه التجارة بنحو 307.3 مليار دولار.
بالطبع الاتحاد الأوربي في عام 2010 تصل التجارة البينية فيه إلى 8 تريليونات دولار بنسبة 65 في المائة من التجارة الإجمالية، وإن انخفضت النسبة في الوقت الحاضر لصالح كتل أخرى، لكنها ارتفعت في دول الخليج من 6 في المائة عام 2010 إلى 10 في المائة عام 2014 وهي كذلك بين الدول العربية والإسلامية.
التغيرات الاقتصادية تتطلب بناء قطاع صناعي خليجي متكامل من خلال رفع التنافسية، ومن خلال استهداف توطين سلسلة إمداد توطين الطاقة، وتسريع وتيرة نمو الصناعات الوطنية بالتركيز على قطاعات الطاقة المتجددة التي ستكون أهم المصادر لسد الحاجة في طلب الطاقة، إضافة إلى الصناعات العسكرية والطبية، خصوصاً أن دول المجلس لديها صناعات البتروكيماويات والحديد والألمنيوم تنافس عالميا خصوصاً أن قطاع التعدين سيكون داعماً رئيسياً لصناعة البترول والغاز.
تأتي أهمية التكامل بين دول المجلس من خلال تصدير صناعات جزئية لدول الخليج لتكون مكونات من صناعات نهائية تصدر إلى دول العالم، وكثير من الصناعات المعقدة ستستقطب وستشترى مكوناتها من دول أخرى في المجلس، حيث هناك فرص واعدة، والمستقبل سيكون زاهراً لهذه الصناعات من خلال التكامل، خصوصاً أن العالم يتجه نحو عالم تنافسي وخلق تكتلات اقتصادية كبرى، وهناك دول صناعية واقتصادية عظمى لديها اقتصادات الحجم، ودعمها قوي لاقتصاداتها.
الأمر الذي يحتم على دول المجلس العمل على تنمية وتنافسية اقتصادات الخليج، ولذلك من الضروري دعم سلسلة الإمدادات للمصانع الكبرى في الخليج لتكون شاملة لكل المكونات المصنوعة في دول الخليج كافة.
التصنيع بمدخلاته وما ينتج عنه يحفز مزيداً من النشاط الاقتصادي، وهو ما يوفر مزيداً من الفرص الوظيفية والاستثمارية في القطاعات الأخرى التي تستخدم منتجاتها، مثل البناء، وقطاع التجزئة، على جانب تحفيز النمو في قطاعات خدمية أخرى مثل التمويل والمواصلات.
يجب أن تتطور سياسات دول المجلس وإستراتيجياتها خصوصاً أن المحيط الخليجي بخصائصه الجغرافية المميزة يُشكّل مجالاً تكاملياً ومجالاً استثمارياً صناعياً واعداً نظراً لإمكانات دول المجلس وما تتمتع به من بنى تحتية ومدن صناعية وتسهيلات جاذبة للمستثمرين، واكتشاف مزيد من الفرص الصناعية المتاحة التي سيدعمها استكمال عدد من الإجراءات مثل استكمال تنفيذ السوق الخليجية المشتركة وتوحيد السياسات الجمركية والاقتصادية والقانونية واستكمال إنشاء الطرق وشبكة السكك الحديدية الخليجية.