عبدالعزيز السماري
سيكون من الصعب تقديم تفسيرات سياسية موضوعية لتبرير ما يحدث في سوريا وبعض الدول العربية في مرحلة ما بعد الغضب الشعبي العربي، فالموضوع حول الصراع يبدو أكبر من قضية سياسية، ويدخل في مسألة إدمان السيطرة، وتضخم الأنا الحاكمة بأمرها لدرجة الهوس وجنون العظمة.
فالحاكم العربي المتضخم ذاتياً لدرجة ادعاء الفوقية المتناهية تختزله كثيراً المقولة الشهيرة لمعمر القذافي: من أنتم؟، في خطابه الشهير لشعبه الذي عانى كثيراً بسبب حكمه الفاشي، وتفسرها ثقافياً مقولة المفكر العربي محمد عابد الجابري، حول غياب مقولة الآخر في العقل العربي، بوصفها أحد المبادئ الأساسية للعقل، ويفسر ذلك التعامل الدموي الشديد مع الشعب الثائر على الدكتاتور، والذي وصل إلى درجة إلقاء البراميل المتفجرة على المدن والقرى الثائرة، والنتيجة سياسة الأرض المحروقة.
يحدث هذا لأسباب لها علاقة بالتطور التاريخي لمفهوم الدولة عند العرب، والتي يغيب الآخر فيها عن العقل العربي، وتغيب فيها حقوق الشعوب المغلوب على أمرها في جانبها السياسي والاجتماعي، ومهما حاول البعض أن يقدم رؤية جديدة حول فكر سياسي تعددي لا يستثني الآخر، يتم البطش به بطريقة غير مسبوقة، ويقف خلفها تلك الرغبة الجنونية في السيطرة التامة على كل شيء، تلك الأنا الحاكمة التي لا تعترف بالآخر، بل تنكر وجوده في العقل، وربما يفسر ذلك انتهاك حقوق الأرض ومن عليها.
يغيب الآخر في العقل العربي لأنه كان دائما محصوراً في طبقة تُطلق عليها صفات في غاية البذاءة مثل الغوغاء أوالدهماء والسوقة والرعاع والهمج والغثراء والهلانث والوخش وبوغاء الناس ورجرجة الناس وغيرها من الأوصاف الإقصائية، وقد قيل عنهم، رعاع همج يميلون مع كل ريح، بينما الواقع يقول غير ذلك، فالغالبية من الشعوب تمتاز بالطيبة، وتميل للعدالة والاتزان في العيش، وتنصرف نحو الهدوء والإنصاف والسكينة.
حاول بعض المثقفين اللامعين من أمثال أبي حيان التوحيدي إنصافهم في نصوص نادرة، في قوله «والضعفاء أكثر استجابة من الرؤساء، لأن أذهانهم ليست مملوءة بزخارف الدنيا، فهم أدرك للحق، وأقبل له من الرؤساء»، ووفق مكيافيلي في كتاب الأمير في وضع يديه على سر تميز العامة أخلاقياً على مدمني السيطرة والسلطة، فقد حلل مكيافيلي سر ميل العامة للعدل بقوله، لأن غرض عامة الشعب أنبل من غرض الذين غايتهم الاستبداد بالغير، وغاية العامة اتقاء الظلم منهم.
لهذا السبب كانوا دوماً في مراحل الصراع خارج الحلبة، ويظهر ذلك في هجراتهم الجماعية إلى خارج البلاد أثناء الأزمات، وانعزالهم عن الصراعات الدموية، والذي لا يزال محصوراً بين الأنا الحاكمة، وتلك الأنا التي تبحث عن السيطرة الكاملة، وممثلة في هذا العصر في التيارات الدينية المسلحة، والتي تقدم نفس الرؤية الشديدة الأنانية للسيطرة، ولهذا السبب قد تطول المعركة، وستدفع العوام أو الدهماء ثمناً غالياً، والسبب ذلك الميل الخطير للفئات الحاكمة ومعارضيهم لامتلاك حق السيطرة التامة على الإنسان والطبيعة.
لا يمكن للعقل العربي والواقع العربي أن يصل إلى شواطئ السلامة وبر الأمان إلا إذا تخلى كل جانب عن أنانيته ورغبته الشديدة في السيطرة وامتلاك كل شيء، ويكون بذلك بتقديم نسخة أقل استبداداً وأكثر تسامحاً لتعامل السلطة مع الشعوب، وإذا لم يصلوا إلى تلك القناعة سيستمر الواقع المتفجر، أو القابل للانفجار بين الخصوم، وسيعيش الناس الطيبون دوماً على حافة الهاوية.