سام الغُباري
- قبل الوصول إلى مشاورات الكويت، أطلق وزير الخارجية اليمني عبدالملك المخلافي سلسلة تغريدات تُحذر من إقدام ميليشيا الحوثيين على حوثنة الدولة بإحلال كوادرها غير المؤهلة التي تنتمي عضوياً لمبادئ الولاية السياسية اللاهوتية في الجهاز الإداري والعسكري للدولة.
- أيقظ الوزير «المخلافي» سبات النائمين، بصفارة إنذار كانت كفيلة لبيان حقيقة العقبات التي تعترض مشاورات الكويت وما بعدها، وقد كشفت المشاورات في حد ذاتها رغبة الحوثيين في تجريف أنصار حليفهم الذي يُكرر على مسامع مريديه ضرورة القبول بكل الممارسات الوحشية التي يتعرضون لها من حلفائه الخبثاء.
- في أكثر من موقف كان الناطق الرسمي للحوثيين يتبرأ من إطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه السعودية خلال المشاورات، كان يغلظ اليمين في اجتماعات داخلية على ذلك ويؤكد أن السلاح الإستراتيجي بيد صاحبهم الذي وصفه بـ»المُـستبد»!، وذات مرة قال لي أحد خبراء سلاح الصواريخ أن سر اجتماعات صالح المتواصلة مع سفير روسيا الاتحادية كان بغرض حثهم على تزويده بوقود خاص للصواريخ وإطلاقها على الأراضي السعودية، لإقحام الجميع في حرب إقليمية تضطر السعودية إلى الدفاع عن شعبها بدلاً من الدفاع عن شرعية الدولة اليمنية المختطفة.
- هذه الفكرة الجهنمية حاول «عبدالسلام صلاح فليته» الشهير بإسم «محمد عبدالسلام» تسويقها في مشاورات الكويت، متمنياً الحصول على تطمينات في الموقف الخليجي تدفعه إلى إعادة صياغة تحالفات جماعته الداخلية والخارجية، وصياغة سلام قائم على الاعتراف بهم كحزب مسلح على غرار حزب الله اللبناني، والوصول باليمن إلى لبننة طائفية تُـمكن الحزب اللاهوتي من إحراز تقدم في إعادة صياغة الذهنية العامة عن طريق التجريف الشامل للوظيفة الحكومية باستبعاد من يناهضهم وظيفياً و»تحويث» من يقبل وجودهم وتأطيره في الحركة اللاهثة نحو البقاء، وذلك يعني أن تبتلع الميليشيا كل شيء بمجرد الوصول إلى اتفاق عودة الدولة التي ستجد وجوهاً أخرى، وكتائب من الأمن والشرطة العسكرية والمخابرات والجيش يرتدون البزات الرسمية إلا أنهم ليسوا أولئك الذين كانوا قبل عام من المواجهات، فقد تم تسريح القطاع الوظيفي بهمجية السلاح، والتحكم المالي، وذلك يعني أن صنعاء ستستمر في الأنين حتى تُعاد خريطة الواقع، ويظهر الخيط الأبيض من الأسود.
- حتى وإن أسست مشاورات الكويت لاتفاقات تعتبر كل قرارات اللجنة الثورية العليا غير قانونية، إلا أن المشكلة الأعمق في تأسيس الحوثيين للدولة العميقة التي كانت حقاً مشاعاً لحزب المؤتمر الشعبي العام باعتباره حزب الدولة، ومثلما سكتنا جميعاً عن ابتلاع الحراك الجنوبي لقواعد الحزب الاشتراكي في الجنوب اليمني لأغراض انتقامية، أظهرت فيما بعد وحشاً آخر لا ملامح له سوى الكراهية التي نحصدها اليوم في عدن، وذلك الخطر يدق ناقوسه اليوم وزير الخارجية اليمني بإدراك ذكي، يجب أن يدفعنا إلى رفض ذلك التجريف وإعادة تأسيس التعددية السياسية والوظيفية التي فقدناها بمجرد القبول بشراكة مع شرعية ثورية قامت من الشارع لتدمر كل محاسن النظام وسيئاته على حدٍ سواء.
- يُدرك الحوثيون أنهم هُزموا عسكرياً، ولم يعودوا قادرين البتة على حُكم اليمن الكبير كما كان الأمر مهيأ لهم قبل 26 مارس 2015م، وقد اتخذوا مساراً آخراً، يلتهمون الدولة في ظل سيطرتهم القسرية على العاصمة، ويأتون على كل تفاصيلها ومفاصلها، كما يلتهمون المؤتمر الشعبي العام ذاته، قرارات الفصل بالجملة، وقرارات الإحلال بالجملة، وذلك يعني مظالماً غير مقبولة في المستقبل، وتجنيد واسع وملشنة تبتلع حتى أتفه التفاصيل، فيما لا تزال الحكومة اليمنية الشرعية خارج أسوار دولتها المفترضة!، وما يزال الثقل المالي والوظيفي في يد من يحكم صنعاء اليوم بقهر الميليشيا، وهو ما يوجب استعادة «صنعائنا» بقوة الدولة وبعزيمة جيشها الذي ينتظر على بعد 30كم من أطرافها لتوضيح الحكمة الوجودية لليمنيين وحقهم في حُـكم دولتهم بأنفسهم بعيداً عن إملاءات أصحاب العِـرق الذهبي المتوحش.
- باتت المهمة الأقوى اليوم محددة في إنقاذ المؤتمر الشعبي العام من هوس «صالح» الذي يمارس دور شمشون ويهدم المعبد فوق رأسه، وعائلته وأنصاره، قبل أن يهدمه على رؤوسنا، ويتركنا في حالة صراع داخلي محموم مع أحفاد الرسيين السلاليين بداخل حزب المؤتمر الشعبي العام وفي أجهزة الدولة، ومن مكتب إلى آخر، ومن إدارة إلى أخرى، ذلك يعني حرفياً إعادة بناء اليمن من جديد، وستكون مهمة إنقاذ الدولة من الميليشيا العميقة مستحيلة، وهي تستنزف كل شيء من ذاكرتنا ووظائفنا ووعينا وحقيقة وجودنا كمواطنين يجمعهم الدستور ويكمن لهم السلاليون في التفاصيل، ولا أعتقد أنّ شيئا أخطر على اليمن من تلك التفاصيل المؤرقة.
.. وإلى لقاء يتجدد