سام الغُباري
- لأنهم يكذبون، خسروا.. وفي موجة الاندفاع عن كذبتهم قتلوا الأبرياء، صلبوا المشانق، وملؤوا السجون بصوت واحد من معارضيهم الطيبين، كانوا جبناء، وحين وصلوا إلى الحُـكم فجأة، أظهروا شجاعة مهزومة، أراقوا حياء الأخوة، وصدموا المجتمع، وخدعوا الجميع.. كل الجميع، اعتقدوا أنهم يستطيعون ابتلاع اليمن، مثلما ابتلع الخميني إيران، لكنهم تأخروا.. تأخروا كثيراً عن ذلك.
- حرص عبدالملك الحوثي وشقيقه حسين، على الظهور بملابس تنتمي إلى القبيلة، الجنبية «البكيلية» والثوب والشماغ، ظهروا بوجه آخر وصورة جديدة غير تلك التي كان يرتديها أئمة اليمن المهزومين في ثورة 26 سبتمبر 1962م، قالوا إنهم ينتمون إلى القبيلة الحاكمة التي تتخذ من جبال ما خلف صنعاء تحديداً مكاناً لقسوتهم وإرادتهم في حُكم اليمن، وحين كان عقلاء الحوثيين القلائل ينادون بتمدين حياة الحوثيين، ضاع صوتهم في زحام اندفاع «المبردقين» لاحتلال المدن وإفزاع الآمنين وتفجير بيوت المعارضين.
- خدع الحوثيون القبيلة بردائها، ومكروا على السياسيين بعدد من الممثلين الذين استأجروهم لقضاء حاجتهم وخداع النخب المتدنية في وعيها السياسي، ارتفعت أصوات مفكريهم تلعب بمصطلحات التخدير، وتساوي بين اللص والمسؤول، تقتل المعارض، وتتهمه باعتراض المسيرة المذمومة، كانوا حريصين على تدمير منازل وسمعة كل من برز في الدفاع عنهم، استعانوا بالجزارين من مشايخ وقادة عسكريين، أعادوا كل الأسر التي كانت تعمل في حكومة الأئمة السابقة، وحولوهم إلى مستخدمين سيئين، نقضوا مدنيتهم، تورطت معهم كل الأسر الحوثية في عداء المجتمع الذي تفاجأ بكل الكبت المقهور والجشع المخيف والنذالة المفرطة.
- أتذكر والحوثيون يراودون صنعاء عن نفسها، أن أولياء أمرها سلموها مكرهة لقضاء ليلة اغتصاب فاحشة، وقعوا اتفاقية الزواج والشراكة، ومن تمنع من رؤساء الأحزاب، نهره البقية الذين ضمنوا حياة أخرى بدون «علي محسن» و «الزنداني»، كانت ضمانات أن تبقى عدن و تعز بعيدة عن السيطرة موثقة في حديث لم يتعد الغرف المغلقة، كُـنت أصرخ أن الجمهورية تضيع، تنسل من بين أصابعنا، تذوب كقطعة ثلج في مواجهة نار الحوثيين وبارودهم، والجميع محتفل بشراكة القتل وبدم بكارة صنعاء الحزينة.
- خدع الحوثيون كل الزيود القدامى، المناطق الجغرافية التي زيدنها «يحيى الرسي» قبل ألف عام، جاء الحوثيون من كهف صعدة لاستمالتها، استولوا على عصب القبيلة، كالشيخ والفقيه وأمين القرية، تلك الوظائف التي حرص الجمهوريون الإماميون على أبقائها منتعشة في ظل جمهورية إدارية لا تعترف بوظائف الدين الكهنوتي، وجد الزيود الذين نسوا زيديتهم أنهم متهمين أيضاً من بقية المناطق الجغرافية الأخرى التي تحاكمهم اليوم بتهمة الزندنة أو الزندقة مع الحوثي!.
- أتذكر أيضاً أني كتبت في إحدى الصحف الموالية لجماعة الحوثيين بعد أيام من سبتمبر 2014م المشؤوم أن الذهاب إلى تعز وعدن انتحار حقيقي، فالصورة الذهنية التي تشكلت في وعي الناس أنهم مذهبيون يعتقدون بالولاية وأوهام الغدير وأحقية الحكم عبر البطنين، وتلك لاهوتية قاومها اليمنيون عشرات المرات وتأكدوا من هزيمة أصحابها، فمن غير المقبول أن تأتي سلالة بغيضة إلى اليمن القحطانية لتستولي على مقاليدها وتحوّل أهلها إلى سُخرة وعبيد، ذلك احتلال واضح، حتى المناطق الزيدية كانت الركيزة الأساسية في القضاء على السلالة ومذهبها الخاص، وعنوان القتال الأول في ثورة سبتمبر المجيدة قبل خمسين عاماً، وعقود وعهود سابقات.
- وجد الحوثيون أنفسهم في مواجهة مجتمع آخر في البيضاء و تعز وعدن ومأرب، تفاجأوا بارتفاع البندقية العنيدة، وحينما حاولوا بإصرار على إخضاع المتصدين لهم سفحهم الغضب وأذاقهم ويل الغرور، وتدخلت قدرة التحالف العربي لتشكيل لوحة انتصار مرعبة على المجرمين القادمين من الكهوف.
- اليوم.. بعد سنة ونصف السنة من الصراع واقتراب الجيش الوطني الجديد من أبواب صنعاء، اكتشف اليمنيون الآتي:
1 - الحوثيون ليسوا أئمة جُـدد يمثلون العمق السابق لجغرافيا المناطق الزيدية التي خضعت وناصرت بطل الاستقلال الشهيد الإمام يحيى بن حميد الدين رحمه الله، فهم لم يمثلوا أي مشروع وطني، وكان انحيازهم لولاية الفقيه الإيراني بشع وواضح وغير مقبول.
2 - خدع الحوثيون الأسر ومكنوهم من حرب على مجتمعهم وقراهم ومدنهم، ثم تخلوا عنهم، وأداروا ذلك الاستبداد عبر مجموعة من الطغاة الحاقدين الذين جاؤوا من صعدة وتوزعوا كمشرفين ومسؤولين أمنين، وأبقوا لغيرهم المدن الحمقى وظائف الدولة الإدارية الصغيرة التي تصطدم بمشروع جهاز الحرس الثوري الحوثي، أو ما يسمى باللجان الشعبية، والثورية، وكل المؤسسات الموازية لمؤسسات الدولة بما ينقل تجربة خميني إيران حرفياً إلى اليمن.
3 - رفع الحوثيون سقف الأوهام بإحتلال نصف العالم، وفي الأخير وجدوا أنفسهم في مواجهة مع الاستحقاق الواقعي، لا بد من أميركا التي أرادوا الموت لها، ولابد من السعودية والخليج التي قالوا إنهم سيحجون في مدنها المقدسة بالبنادق المحشوة بالحمق، لكن هل يصدقهم أحد ؟
4 - تركزت مشاروات الكويت على ثبات الموقف الحكومي الذي لن يكرر مطلقاً اتفاقية السلم والشراكة، فقد كانت تلك التجربة المريرة محطة مؤلمة، هدمت كل جسور الثقة التي حاول الحوثيون تطمين الناس والأحزاب والمجتمع الدولي بها، ولولا تدخل عاصفة الحزم لنجحت فكرة تصدير الثورة الإيرانية في اليمن.
5 - انقلاب الحوثيين على الاتفاقية المذكورة، ونكثهم لها كانت مرحلة جشعة وأنانية، قادتهم لحظة الغرور المستبد بوهم ابتلاعهم لكل اليمن بالقوة العسكرية، حاصروا الرئيس وطردوا بحاح ومن معه وحاصروا منازل الوزراء، وكانوا يكذبون ويدّعون أن وزراء التوافق الوطني من طلب حمايتهم، فيما أسموه «الرقابة اللصيقة» !.
6 - كمية الكذب الفاجر التي قتل بها الحوثيون كل اليمنيين، هي أساس ثبات الموقف الحكومي الرشيد في مشاورات الكويت الذي مهما بدا قوياً وصلباً فإنه رحيم وحكيم، وكل محاولات الحوثيين اختراق هذا الجدار الفولاذي لن تمر بلا ضمانات حقيقية وتنفيذ صارم لتراتبية القرار الأممي.
لقد وعى اليمنيون والخليجيون الذين باركوا سابقاً اتفاقية السلم والشراكة على جروحها ومثالبها ومغارتها السوداء كمبدأ للخروج من حرب متوقعة، الدرس جيداً، وما دامت الحرب قد وقعت، فالهدنة المؤقتة والمشاروات لن تذهب إلى شرعنة الميليشيا، تجربتنا مع التذلل الحوثي الذي يسرف فيه «محمد عبدالسلام» من خلال حواراته مع سفراء التحالف العربي وسفراء الدول الثمانية عشر، وحواراته البائسة مع صحف السعودية والـ بي بي سي لن يصدقها أحد.
- هكذا خسر الحوثيون كل شيء، حين فقدوا القدرة على قول الصدق، وجنحوا للكذب والأحقاد، عليهم أن يدركوا أن اللعبة انتهت، وأن كل ما يفعلونه اليوم هو تمديد للمراوغة التي لن تجد آذاناً صاغية ولا ضمائر حمقاء تصدقهم، ولو أنهم قرأوا حكاية الأطفال عن الراعي الذي كان يكذب ويدعي أن ذئباً يأكل أغنامه، ولما جاءه الذئب حقاً لم يجد من يهرع لإنقاذه، لكُنا جميعاً في بيوتنا وقرانا نعيش سلام الشراكة والتعايش الطيب.
• قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
وإلى لقاء يتجدد.