د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن العنصرية التي تضرب أطنابها في المجتمع الأمريكي، وهي عنصرية تخفيها الإبتسامات الصفراء، وتقمعها القوانين الصارمة، ولعلي آخذكم إلى جولة في عبق التاريخ، وإلى الموقف الأخلاقي الحاد، الذي اتخذه الملاكم العالمي الشهير، محمد علي كلاي، خلال ستينات القرن الماضي، ومحمد علي شخصية استثنائية، فلم تكن شهرته العالمية بسبب تميزه برياضة الملاكمة وحسب، بل لأنه كان، ولا يزال، شخصية واعية مثقفة، وكانت له جهود نضالية جبارة، أيام سياسة الفصل العنصري، ففي أوج شهرته، خلال ستينات القرن الماضي، رفض أن يحارب في فيتنام، وقال كلمته الشهيرة: «لماذا أحارب إخوتي الفيتناميين، فأنا لا أعرفهم، وهم لا يعرفونني، ولم يسيؤوا لي يوما، أما عدوي الحقيقي، الذي تجب محاربته فهو الرجل الأمريكي الأبيض، الذي استعبد أجدادي، ولا يزال يعاملني كمواطن من الدرجة الثانية»، وحينها، وبسبب شهرة محمد علي، وتميزه الكبير برياضة الملاكمة، ثارت ثائرة البيض، واعتبروه خائنا، ولكنه صمد، رغم إيقافه من ممارسة رياضة الملاكمة، لمدة ثلاث سنوات، مع أنه كان الأفضل عالميا، وقد حوكم بتهمة الخيانة العظمى، وحكم عليه بالسجن، ولكن لم ينفذ الحكم، وفي النهاية، برأته المحكمة العليا .
ومع أن محمد علي كان رياضيا عظيما، بكل ما تحمله هذه الكلمات من معاني، إلا أن شرائح واسعة من المواطنين البيض العنصريين، اتخذوا منه موقفا سلبيا، بسبب مواقفه الحادة والجريئة ضد العنصرية والطبقية في المجتمع الأمريكي، ولذا، فعندما عاد لممارسة الملاكمة، في بداية سبعينات القرن الماضي، بعد حرمانه منها لثلاث سنوات، وقفوا، بكل قوة، مع خصمه الشرس، الملاكم الأسود، جو فريزر، وخاض الإثنان لقاءا تاريخيا، سماه المؤرخون الرياضيون: «لقاء القرن»، وكان محمد علي يتهم خصمه فريزر بأنه أداة رخيصة بيد المحافظين البيض، ويطلق عليه لقب انكل توم، وهو لقب يطلقه السود على كل شخص أسود، يتخلى عن بني جنسه، ويتقرب للبيض، ومن أشهر من يطلق عليهم اللقب، في عالم السياسية، هناك وزيرة الخارجية السابقة، كونداليزا رايس، وكذلك وزير الخارجية السابق، كولن باول، ومؤخرا، هناك المرشح الجمهوري الأسود، الذي انسحب من السباق، وأعلن دعمه لدونالد ترمب، الدكتور بين كارسون!!.
لقد فرح العنصريون البيض فرحا عظيما بعد هزيمة محمد علي من جو فريزر، في تلك المباراة، ويقال إن أحد الأسباب الرئيسية لإصابة محمد علي بمرض الزهايمر، في سن مبكرة، كان بسبب الضربات العنيفة التي تلقاها من خصمه فريزر في تلك المباراة . هذا، ولكن محمد علي، المحارب الصلب، والعنيد، وصاحب المبادئ العظيمة، عاد مرة أخرى، وهزم جو فريزر في مباراتين تاريخيتين، كما هزم مجموعة من الملاكمين الكبار، كان أبرزهم الملاكم جورج فورمان، على بطولة العالم، في مباراة لا تنسى، أقيمت في دولة زائير ( الكونغو حاليا )، تحت رعاية رئيسها، الدكتاتور موبوتو، والخلاصة، هي أن أمريكا، طوال تاريخها، وحتى اليوم، تعاني، كما معظم المجتمعات، من مرض العنصرية، ولئن اختفت العنصرية ظاهريا، فإنها تظل تحت السطح، وتحتاج فقط إلى من يكشف عنها الغطاء، مثلما يفعل المرشح الجمهوري، دونالد ترمب حاليا!.