د. محمد عبدالله العوين
هل نحن في مرحلة ولادة جديدة للأمة؟!
هل هي معاناة المخاض ليس إلا؟!
هذا التساؤل المقلق الذي يدور في خلد ملايين من العرب والمسلمين وهي ترى ما يحدث في المحيط العربي والإسلامي كله من أحداث جسام وحرائق وتمزق وانقسام وآلاف الضحايا والمهجرين والمعذبين الذين يعانون التشرد والفقر والآلام.
أكثر من سنوات خمس مرت على اندلاع شرارة الثورات الحمقاء التي أكلت الأخضر واليابس، وأنبتت الشوك والحنظل والدم والألم والتهجير وتمزق الأسر وخراب الديار ولا أمل يورق قريبا في الأفق يبشر بحالة فرج تعيد الأمل بعد الألم، وترتق الجرح بعد القرح، وتنشر البسمة بعد الدمعة، وتلم التمزق بعد التفرق، وتعيد الأفراح بعد الأتراح.
إن ذهبت شرقا إلى الأقصى البعيد وجدت أفغانستان تئن بعد سنين طويلة من الحروب مع الروس، ثم حروب مع أولئك المجاهدين المتنازعين من أهلها، ثم حرب انتقامية أخرى مع الحليف الأمريكي الذي كان عضدا للأفغان في جهادهم ضد الروس؛ فبعد أن انتهت مهمة دحر سلالة القيصر من كابول انقلب العم سام على أصدقائه المجاهدين ممن منحهم صواريخ ستينجر التي أسقطت طائرات السوخوي السوفيتية؛ فأصبحوا فجأة أعداءه الإرهابيين!
وهناك في الشرق الآسيوي قصة مأساوية منسية مسكوت عنها ولا تكاد تسمع عن آلامها إلا نزرا قليلا من الأخبار؛ إنهم الأركانيون الروهنجيون الذين يُحرقون حرقا ويداسون بالأقدام في شوارع بورما العنصرية، لكن صيحات استغاثاتهم تضيع في الهواء في زمن إسلامي كله ينزف.
وإن توسطت في ديار العرب ووصلت من الشرق إلى العراق وسوريا فلا حول ولا قوة إلا بالله، قد لا يستطيع القلم ولا حتى الكاميرا تصوير بشاعة ما يحدث من إراقة للدماء وإزهاق للأنفس وتدمير للمدن من أبناء العرب والمسلمين أنفسهم، وكل منهم يزعم أنه على الحق، ولكل منهم مناصر ومعين ومزود بالمال وبالسلاح من الشرق أو الغرب!
كنا نشتكي من حماقة وجبروت صدام؛ فأصبح صدام اليوم بطلا ورمزاً عروبياً كبيراً متجاوزين عن حماقته واندفاعه وبطشه أمام ورثته ممن باعوا العراق للفرس بلا ثمن إلا ثمن الخيانة لعروبتهم وأمتهم!
وإن ذهبت إلى فلسطين؛ فهي قصة دامية مزمنة محزنة ضاعت ونسيت في زحمة القصص الأخرى التي فاقتها ألما ودما!
وإن جزتها قليلاً إلى مصر العزيزة فستضع يدك على قلبك من قلق وخوف وتوقع ما لا نتمنى أن ينالها من أذى المتربصين بها من الأشرار في الداخل أو في الخارج وفي سيناء وعلى حدودها مع ليبيا!
وإن دخلت إلى ليبيا؛ فلن تجد ليبيا القديمة التي كنا نسخر أو ربما نضحك ونأسى قبل خمس سنين على وضع ليبيا تحت قيادة معمر القذافي، واليوم نتمنى قذافياً جديداً وحتى ولو بحماقة القديم يمسك بليبيا الممزقة المقسمة المحترقة بين تكفيري داعشي وقبلي عنصري وجهوي انفصالي!
أما لو ذهبت إلى السودان؛ فقد انفصل جنوبه عن شماله، ونخشى على ما بقي منه، ولو عدت إلى اليمن فقصته مع خيانة حاكمه لشعبه وأمته قصة يجب أن تروى لتتخذ منها الأجيال العربية عبرة وعظة من سير خونة الأوطان!.
هل نحن في لحظة مخاض طالت لولادة أمة من جديد؛ أم نحن في حالة من حالات الموت البطيء والانقراض والفناء؟!