إبراهيم عبدالله العمار
عندما يأتي موضوع المقارنة بين القراءة من الكتاب وبين القراءة من القارئات والألواح الإلكترونية (مثل آيباد وغيرها)، فإن من النقاط التي أرى الناس يستشهدون بها لصالح القراءة الإلكترونية هو الروابط hyperlinks، فيقولون إن كتاباً تقرأه إلكترونياً لديه ميزة أنه يحوي روابط في النص تنقلك لنصوص أخرى تثري تجربتك وتزيد معلوماتك، فتخيل أنك تقرأ مثلاً عن الإمبراطورية الرومانية، ثم جاء نص عن الإمبراطور فاليريان وترى أن اسمه رابط، وبدلاً من أن تكمل القراءة وتمشي مع السياق تضغط الرابط، فتقرأ عن حياته وكيف أنه أول إمبراطور روماني يؤسر في الحرب وذلك في معركة إيديسا ضد الساسانيين، ثم تضغط على «الساسانيين» لتعرف أنهم الفُرس الذين حاربوا المسلمين بعد تلك المعركة بأربعمئة سنة، وهكذا، تضغط وتضغط وتضغط، وربما تظن أنك ازددت علماً، لكن الواقع شيء آخر!
يقول الكاتب العلمي نيكولاس كار إنه في الثمانينات الميلادية لما بدأت المدارس الأمريكية تستثمر في الحواسيب كان هناك حماس وتشوُّق لميزات الصفحات الإلكترونية على الورقية، وظن الكثير من مسؤولي التعليم أن الروابط ستكون نعمة للتعلم، لكن بدأ ينطفئ هذا الحماس لما انتهى ذلك العقد، فقد وجدت الأبحاث صورة مختلفة، مختلفة تماماً. إن النظر للروابط وتقييمها والتنقل خلالها يتطلب عمليات ذهنية فيها مشقة ذهنية، وهي تُتعب عملية القراءة نفسها. التعامل مع الروابط يزيد العبء الذهني وهذا يعيق الفهم والاحتفاظ بالمعلومات. وجدت دراسة عام 1989م أن متصفحي الروابط عادة يكون مآلهم أن يضغطوا بشكل مشتت خلال الصفحات بدلاً من قراءتها. دراسة أخرى وجدت أن متصفحي الروابط غالبا لا يتذكرون ما قرأوا. في دراسة ثالثة قسم الباحثون الناس لمجموعتين: واحدة تقرأ صفحات إلكترونية والأخرى تقرأ ورقية، وأظهرت التجربة أن الذين قرأوا الإلكترونية كانوا أضعف أداءً.
الدراستان الأخيرتان كانتا عام 1990م. قال الباحثون في كتاب نشر بعد ذلك بست سنين أن الروابط تضع ثقلاً ذهنياً على القارئ، لذلك فإن قراء الورق أفضل في القراءة والاستيعاب، لكن توقعوا شيئاً: أن الناس إذا اعتادوا الروابط فهذا الفارق بين الورق والرقمي يتلاشى. هل حصل هذا؟ أبداً. لم يحدث هذا رغم الانتشار الشديد الآن للإنترنت، فالأبحاث لا زالت تجد أن من يقرأ النص المتواصل الخالي من الروابط (كما في الكتب) يفهم أكثر، ويتذكر أكثر، ويتعلم أكثر ممن يقرأ نص مليء بالروابط. من ذلك دراسة عام 2001م في كندا: جمع الباحثون 70 شخصاً لقراءة قصة قصيرة، قسموهم لمجموعتين، مجموعة قرأتها تقليدياً، والمجموعة الأخرى قرأوا كما تُقرأ الصفحات في الشبكة العنكبوتية (أي مليئة بالروابط). ما النتيجة؟ المجموعة الثانية احتاجوا وقتاً أطول للقراءة، ورغم هذا قالوا فيما بعد أنهم وجدوا حيرة ولَبساً فيما قرأوا! ثلاثة أرباعهم صَعُبَ عليهم متابعة النص بينما فقط عُشر من قرأوا النص العادي واجهوا تلك المشاكل. قال أناس: ماذا لو كانت التجربة على قصة أقصر؟ لعل قراء النص الإلكتروني يتحسنون؟ نفس الباحثين طبقوا نفس التجربة لكن هذه المرة على قصة أقصر وأبسط، ونفس النتيجة ظهرت.
التقنية ليست دائماً أفضل. أحياناً كما يقول المثل الشعبي: قديمك نديمك .. لو الجديد أغناك!