محمد سليمان العنقري
إعلان برنامج التحول الوطني المقرر تنفيذه خلال خمسة أعوام يعد بمنزلة قص الشريط وتدشين الانطلاقة نحو تحقيق أهداف الرؤية المستقبلية للمملكة 2030م؛ ولذلك يعد أهم المراحل التي تهيئ الاقتصاد الوطني للانتقال لآلية عمل مختلفة بطريقتها وأدوار الجهات الفاعلة فيها؛ للوصول للتنوع المنشود بالإيرادات العامة وكفاءة الإنفاق، وكذلك تفعيل دور القطاع الخاص بأن يكون هو المحرك لتنشيط الاستثمارات وتوليد الوظائف.
فالبرنامج يهدف لتحول الجهات الحكومية التي استهدفتها خطط التحول لأن تكون مشرفة ومنظمة لبيئة الأعمال بعيدًا عن العمق بالتنفيذ والاستحواذ على النصيب الأكبر من إدارة عجلة الاقتصاد. ويظهر ذلك من خلال المبادرات التي اعتمدت لكل جهة من الـ 24 الشريكة بالتحول نحو اقتصاد أكثر فاعلية من حيث تطوير الأداء وجذب الاستثمارات. فالمرونة المنشودة لهذه المبادرات ترتكز على انتقال شبه جذري بدور القطاع العام بتسهيل الإجراءات، ومرونة الأنظمة التي تقلل من الدور التفصيلي لها بتنفيذ خطط التنمية من حيث الإنفاق والالتزامات التشغيلية كما هو قائم منذ عقود. وسينعكس هذا التغيير بأدوارها على القطاع الخاص الذي سيكون له نصيب كبير من أعمال التنفيذ للتشغيل والتطوير بالخدمات، وكذلك بالاستثمارات الصناعية والخدمية عمومًا، وأن يكون معتمدًا على أساليب إدارة وتشغيل واستثمار ترفع من كفاءته، ولا يعتمد على أي برامج دعم أو تحفيز كبرى كانت تحقق ربحًا سهلاً، قلل من مستوى التنافسية لاقتصاد المملكة أمام الدول الأخرى، بخلاف الأعباء المالية على الخزانة العامة التي ترتفع سنويًّا بسبب تكفل الحكومة بالكثير من التكاليف لإنشاء المشاريع وتشغيلها.
ويعد التحول بداية واقعية لهيكلة الأدوار بالاقتصاد بين مختلف الأطراف؛ إذ لا يمكن الاستمرار بأن تكون الجهات الحكومية هي المولد الأكبر للوظائف أو بالتأثير بالنمو الاقتصادي؛ لأن من شأن ذلك أن يخفض أيضًا من تدفق الاستثمارات، فإذا كان جل الأعمال بيد القطاع العام فحجم الأموال التي تذهب للاستثمار بالخارج من القطاع الخاص أو المستثمرين عمومًا كبيرة، وتصل لمئات المليارات إذا ما حسبت على مدى عقود مضت حتى الآن، كالاستثمار بالبورصات العالمية أو شراء العقارات بأمريكا وأوروبا وتأسيس شركات بمختلف النشاطات؛ وذلك بسبب تقلص الفرص محليًّا؛ فالكثير من المشاريع والخدمات التي تنفذ أو تدار من القطاع العام يقوم بها القطاع الخاص بدول أخرى، سواء المتقدمة أو الشبيهة بالوضع الاقتصادي للمملكة؛ ما تطلب فعلاً الاتجاه لرؤية تحقيق مستوى نمو متوازن، يخفف الضغط على الموازنة العامة والالتزامات الرسمية، وكذلك على السياسات النقدية والمالية للحفاظ على الاستقرار المالي والاقتصادي بعيدًا عن تأثير تقلب أسعار النفط (المورد الرئيسي للخزانة العامة).
برنامج التحول يهيئ لاقتصاد يعمل بمنهجية مختلفة، وما هو إلا بداية لما بعد 2020م؛ كي يكون هناك أساس للوصول لأهداف الرؤية. وبالتأكيد، فإن ما وضع من مبادرات وأُنشئ من أجهزة رقابية للقياس والمتابعة ووضع الحلول، تعد كلها خطوات متممة لما هو مطلوب حتى يتأسس الاقتصاد لمرحلة مستقبلية، يكون جاذبًا للاستثمارات، ومولدًا لفرص العمل بحجم كبير، ومستفيدًا من الإمكانيات المتاحة.. فالنجاح بنسبة كبيرة لمجمل المبادرات يرتكز على استكمال آليات تنفيذها، وتعزيز ثقافة المجتمع بأهمية دور كل طرف فيه بإنجاح البرنامج؛ لكي تسير عجلة الاقتصاد نحو أهدافه دون عراقيل كبرى؛ ولذلك التحدي الأول للرؤية هو نجاح التحول وما جاء فيه من مبادرات أُعلنت بشفافية، وينتظر المزيد من التوضيح عنها من قِبل كل جهة في الفترة القصيرة القادمة؛ حتى تكون المراحل التفصيلية لكل جهة ومبادراتها واضحة للجميع.