حمّاد السالمي
لم يعد لكثير من وسائل الإعلام العربية والغربية؛ إلا الكلام على الهجرة الشرعية وغير الشرعية من بلاد العرب إلى بلاد الغرب، تلك التي زادت وتيرتها بعد الاضطرابات التي طالت تونس وليبيا ومصر، ثم امتدت إلى سورية والعراق واليمن. هذا لا يعني أن كلَّ طالبي الهجرة والمهاجرين عنوة هم من هذه الدول العربية فقط، بل تلحق بها السودان والصومال والجزائر، فهجرة العرب ومعهم الأفارقة والإيرانيين والأفغان؛ إلى دول أوروبا وأميركا واستراليا ونيوزيلندا؛ هي هجرة قديمة، وترتفع حدتها مع ظهور الفتن ونشوب الحروب في إقليم الشرق الأوسط.
قضية المهاجرين العرب لا تتوقف عند القبول بهم والدخول في نسيج المجتمعات الغربية أو لا، هي تُربط عادة بالخوف منهم، والحذر من التأثير الديموغرافي والثقافي على المجتمعات الغربية.
والقضية تظل قائمة حتى لو انصهر هؤلاء المهاجرون في مجتمعاتهم الجديدة، وأصبحوا مواطنين كغيرهم من أبناء البلاد الأصليين.
إن السبب الرئيسي في هذا يعود إلى المهاجرين أنفسهم، فلئام العرب، لم يدعوا للكرام منهم متنفساً للحرية والراحة والحياة الكريمة حتى في المهاجر البعيدة، ومع أن نسبة هؤلاء الأشرار محدودة جدًّا، إلا أن ما يتسببون فيه من أذى وقلق لبني جلدتهم يفوق الطاقة، ويولد الأحقاد والضغائن، ويحشد الخصوم الذين يتصيدون الفرص لتشويه صورة العرب ودينهم الإسلامي، ثم يمعنون في ترسيخ الكراهية ضد المهاجرين الملونين والعرب خاصة.
لماذا يغامر عشرات آلاف الشبان العرب في هجرات غير شرعية عبر قوارب تمخر البحر الأبيض المتوسط؛ ويتحول كثير منهم إلى طعام للحيتان..؟
إنهم بكل تأكيد؛ يهربون من الخوف والجوع والمرض، ويبحثون عن ديار توفر لهم الأمن والحرية والعيش الكريم.
وبلاد الغرب مع اختلافنا معها في قضايا سياسية تمس أمن بلداننا، إلا أننا يجب أن نعترف أنها تتوفر على قدر كاف من التسامح والتعايش وحقوق الإنسان.
هذه قيم إنسانية وأخلاقية وحقوقية مفقودة في كثير من بلدان العالم، ومنها البلدان مصدر هذه الهجرات، وإذا كان منهم من هو مبهور بحضارة الغرب وثقافته؛ فهذا حقه، ما دام أنه يتطلع لما هو أفضل في حياته قبل مماته.
نعود إلى معضلة العرب في الغرب في زمن (القاعدة وداعش وبوكو حرام والفكر الديني المتطرف)، هذا التطرف الظاهرة؛ الذي تسلل إلى العرب والمسلمين في المجتمعات الغربية من نافذة الانفتاح الثقافي، والتسامح الديني، اللذان تتمتع بهما هذه المجتمعات دون تمييز يذكر.
إن خروج مئات وآلاف العرب والمسلمين على مجتمعاتهم الغربية، والالتحاق بالمنظمات الإرهابية كداعش مثلاً، ومن ثم التفجير والتخريب في عواصم ومدن الغرب التي هي مهاجرهم وبلدانهم الجديدة، هو عمل إجرامي همجي غير مبرر البتة، وهو فعل خطير له ما بعده من ردود فعل رسمية واجتماعية، سوف تلحق الضرر بالكثرة الكاثرة من المهاجرين الوادعين الذين لا ذنب لهم؛ إلا أن هؤلاء الشبان الإرهابيين هم من بني جلدتهم، وعلى دينهم الذي شوهوه ولوثوا صورته في ذهنية الشعوب الغربية كافة.
إن المجتمعات الغربية التي أعطت الجنسية لهؤلاء المهاجرين حتى غير الشرعيين منهم، ومكنتهم من الحياة الطبيعية والعمل، وحفظت حقوقهم مثل بقية السكان، أفاقت على البعض منهم وهم يسددون إلى ظهرها خناجر الغدر والخيانة، ولهذه الأفعال الإرهابية الآثمة؛ فواتير ثقيلة جدًّا، يأتي سدادها ولو بعد حين، كما أن لها آثارها الخطيرة على المسالمين من المستوطنين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري من إرهاب، سواء داخل بلدان الغرب أو خارجها، ضد مواطنين ومصالح غربية.
إن السلوك الإرهابي المشين؛ الذي يأتيه قلة من العرب في الغرب، هو قبح ما بعده قبح، وهو عقوق وغدر وخيانة ضد أوطانهم ومجتمعاتهم الجديدة، وهو فوق هذا وذاك؛ عمل إرهابي مجرّم، يؤسس لكره العرب والخوف من العيش معهم في هذه المجتمعات، والعرب في تاريخهم يجرمون الخيانة والغدر، ولهم شيم وشمائل تحفظ حقوق الجار ورفيق الدرب وحتى العدو في ميدان المعركة، ومع هذا رأينا كيف ينقلب هؤلاء الممسوخون على مجتمعات تستقبلهم وتحتضنهم، وتجعل لهم مخصصات مالية إلى أن ينخرطوا في أعمال ومهن، ورأينا عبر الفضائيات قبل سنوات؛ كيف يستغل متأسلمون محسوبون على العرب وعلى الإسلام هذا التسامح الاجتماعي في الغرب، فينشرون لوثاتهم العقلية فضائيًا، ويقولون بأفواه متقيحة: أنهم باقون في هذه البلدان لأنهم يعتبرونها (بيوت خلاء) لهم لا أكثر..!!
بيوت الخلاء هذه في عواصم الغرب؛ كان يأمن فيها ويأكل ويشرب ويطرطر مشوهون يزكمون النفوس بما يدعون إليه من تطرف وإرهاب وفتن وتحريض ضد الدول الغربية ومجتمعاتها، مثل (أبي قتادة الفلسطيني)، و(أبي حمزة المصري).
ثم بعد ذلك؛ أي حرج يعيشه العرب المسالمون في الغرب..؟
وماذا ننتظر من مستقبل للعرب في الغرب؛ إذا كان بعض هؤلاء العرب يبني وغيره يهدم.
وأي هدم أسوأ وأخطر من الهدم في الفكر والثقافة..؟
كان العرب في زمن عزِّهم ومجدهم؛ لا يدخلون بلدًا إلا نشروا فيه العلم والأدب والقيم الحضارية الراقية.
هذا بالضبط ما كان عليه العرب الذين دخلوا أوروبا فاتحين أو مستوطنين قبل هجراتهم المعاصرة.
اليوم يهاجر العربي وهو مثقل بعادات بلده، وخلافات مجتمعه، وأفكار تطرفية مشوهة لا علاقة لها بالحياة الجديدة التي يسعى إليها في مهاجره الجديد، بل هي إلى الموت والآخرة أقرب من الدنيا ومَن وما فيها.
أيها المتنبي الحكيم؛ تعال وردّد معنا ما قلت أنت قبل اليوم:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم؛ تمرَّدا