فيصل أكرم
ليس عندنا فقط، بل حتى في أمريكا(!) إذ ربما لو أن الكاتب الأمريكي بول أوستر رفع قضية على دور النشر العربية التي ترجمت بعض كتبه وطبعتها ونشرتها ووزعتها وباعتها وقبضت أثمانها، أقول: ربما لو أنه رفع قضية لكان أحدث ضجة وكان سيكسب القضية حتماً ويحصل على تعويضات لستُ أضمن أن تكون مجزية!
تقول الكاتبة اللبنانية جمانة حداد، في كتابها الصادر عام 2006 عن دار النهار ببيروت، وعنوانه (صحبة لصوص النار – حوارات مع كتّاب عالميين) في القسم الخاص بحوارها مع الروائي والسيناريست الأمريكي بول أوستر:
(عندما أرسل إليّ بول أوستر رسالته الجميلة بخط يده، تلك التي يوافق فيها أخيراً على إجراء المقابلة، لا أخفي أنني شعرتُ بشيء من الفرح يوازي انبهار الطفل بهدية غير متوقعة. فصحيح أني كنتُ أعمل منذ مدة ليست بقصيرة على نيل الحوار، إلا أني فوجئت رغم ذلك، وربما كان جزءٌ مني يشكّ في أن يوافق، وهو الذي يضنّ بالأحاديث حتى على أكثر الصحف والمجلات الغربية شهرة وانتشاراً. «عزيزتي السيدة حداد، قال، لم أكن أعرف البتة أن لي قرّاء في العالم العربي، يا له اكتشافاً رائعاً! بأيّ لغة تقرأونني يا ترى؟ بالإنكليزية أم بالفرنسية؟». «بالاثنتين، أجبتُه بافتخار، فنحن اللبنانيين نتقن لغات كثيرة». طبعاً آثرتُ أن لا أعترف له بأن «ثلاثية نيويورك» و «في بلاد الأشياء الأخيرة» قد تُرجمتا إلى العربية منذ نحو عشر سنين على غير علم منه، وصدرتا في بيروت بالذات).
لستُ أدري إن كانت الأديبة جمانة حداد قد أخفت المعلومة عن ضيف لقائها من أجل حماية الدور اللبنانية التي سطت على كتبه بالترجمة دون علمه، أم من أجل الإبقاء على دهشته حتى استكمال الحوار معه؟ على كل حال، هذه الواقعة تثبت أننا لسنا وحدنا في العالم تُترجم كتاباتنا إلى لغات (عالمية) نجهلها، أو تعاد طباعتها بلغتها الأصلية (الأدبية) أو المحوّرة استعجالاً لاستغلالٍ سافرٍ.. وبدون علمنا - وأحياناً بدون أسمائنا! - حتى أننا لم نعد نفكّر في المطالبة بشيء، لأننا صرنا على قناعة بأن لغتنا الأدبية (العربية) هي الأضعف انتشاراً حتى بيننا نحن، وعليه فلن نغضب إذا ترجم أحدٌ عملاً لنا ونشره بلغةٍ أخرى.. أمّا بعد قراءة ما كتبته جمانة قبل عشر سنين وتأكيدها أن بعضاً من كتب هذا المؤلِّف الأمريكي قد صدرت مترجمة إلى العربية من دور نشر لبنانية دون علمه قبل عشر سنين أخرى، فهذا يمنحنا شيئاً من الارتياح والرّضا أننا قد أصبحنا ومخترعو أنظمة حقوق التأليف والنشر (أو الملكية الفكرية) - أدبياً - في الهمّ سواء!
فكثيراً ما خدعنا أنفسنا، معتمدين على الأمريكان، بأكذوبة (حقوق المؤلِّف) التي لم يستفد منها أحدٌ، حتى هم أنفسهم، إلا بضجيج ناجم عن أسباب ومصالح أخرى، في غالبها ليست أدبية بقدر ما هي تجارية، وأحياناً (كيدية) ليس إلاّ.. طالما لا توجد قوانين فعّالة تحترمها الدول في سوق (الكتاب) التي أجمع العالم على كسادها.. للأسف.
وفي الختام، لستُ أهدي هذه المقطوعة لبول أوستر، ولا لجمانة حداد، إنما لكل من يفني حياته في الكتابة الأدبية ليصنع منها كتاباً لا حقوق له فيه:
(ماذا تجيبُ إذا سُئلتَ عن السنينْ؟
عن كلّ عمركَ، عن يديكَ، عن الجبينْ؟
ستقولُ: تعرفني حياتي..
ثم تسألُ: من سيعرفها حياتي؟
أنتَ تجهلُ من يحبّ حياتكَ العاديّة الصفراء
تجهلُ من يحبّكَ؛ لا أحبُّكَ أن تجرِّبَ وقفتي.
هل سوفَ تتقنها إذا الكتفان يرتخيان منكَ لغير وجدٍ
ثمّ يحتملانِ ما لم تحتملْهُ حقائبُ الصحراءْ؟
هل كنتَ والقمرُ المهلَّلُ تبحثان عن المساءْ؟
ستكونُ وحدكَ، والشموسُ المستحيلةُ.. في الظلامْ
ستكونُ وحدكَ من سينهدمُ ارتفاعاً في الحطامْ.
وتكونُ وحدكَ، بعضَ جزءٍ من حجارٍ
سوفَ تلبسها الخواتمُ حينَ ينتشرُ السلامْ)!