فيصل أكرم
(عن قناعة نابعة من تجربة شخصية: إذا تحولت محبوبةٌ إلى حالةٍ أدبية، فالشاعر سيتجنب رؤية تلك المحبوبة على الطبيعة.. سيخاف ويهرب من كل مكان تتواجد هي فيه.. وإذا فاجأه صوتها أو ظهرت له صورة حديثة لها في أي مكان، فسيهتزّ مشروعه كله، وترتبك الحالة الأدبية التي يعيشها بها... وربما ذلك يفسّر لماذا قيسٌ أنكر ليلاه حين رآها؛ لم يكن قيس مجنوناً بل كان حريصاً على استمرارية حالته الأدبية حتى آخر لحظة من عمره)!
كان هذا كتعليق مني على منشور الصديق الدكتور حافظ المغربي، رئيس قسم البلاغة والنقد الأدبي بجامعة المنيا بمصر، كتبه في موقع التواصل (فيسبوك) يقول فيه:
(المرأة التي يحبها شاعر يدمن فيها كتابة قصائده التي تذيب قلوب غيرها من النساء وهي غير مبالية بوقدها وحمياها؛ سوف تتحول من حبيبة ومعشوقة تسيل بدمها كلمات قصيده كلما ذكرها المحبون؛ إلى مجرد ملهمة، تستحيل إلى مجرد ذكري تموت موتا بطيئا في مخيلة الشاعر وأحاسيسه، لتموت معها دموية الشعر في عروقها، ويموت وقدها ملهمة مع كل قصيدة ظاهرها حار وباطنها من قبله برود المشاعر، وسبيل النسيان. وقديما قال كاتب أمريكي لا أذكر اسمه: إذا أردت أن تنسى امرأة لم تثمن أحاسيسك وانصرفت إلى ما هو دونها من دواعي؛ فحولها في إبداعك إلى حالة أدبية).
وفي تعليق آخر على منشور آخر للدكتور حافظ أيضاً، قلتُ:
(الشاعر، كما أعرفه يا دكتور، حين يذكر كائناً في قصيدته.. أو حتى يخصص قصيدة كاملة في وصفه، فهو لا ينتظر ردة فعل ذلك الكائن - أياً كان - ولك في ذلك مثال الشنفرى حين ذكر في لاميته (الأراوي الصُحم) ترود حوله، ويركدن بالآصال.. كأنها عذارى عليهن الملاءُ المذيّلُ. هو أعطى إناث الوعول، بألوانها المغبرَّة، أعظم تكريم وتخليد حين اختتم بهن قصيدته العظيمة الخالدة، ولم يلتفت إن كانت هذه الكائنات تفهم ما يقول أو لا تفهم.. من جهتي أظن أنها كانت تفهم جيداً)!
حاولتُ أن أجعل كلامي – أو تعليقي – لطيفاً قدر استطاعتي، مع أن كلام الدكتور حافظ كان مستفزاً جداً لمن يعرف الشعر جيداً ويعرف الحب أيضاً – أو هكذا أزعم – وقد استفزني لأنه صادر عن صديق نحبه ونحترم تخصصه الأكاديمي الذي يُعنى بالشعر والأدب عموماً، فهو قد كتب يقول:
(الشاعر الأحمق من يكتب قصيدة في امرأة ظنها مشروع ملهمة لضحكة متغنجة أو إيهام بالحب الكذوب... وهي عن شعره الساطع لاهية منطفئة إما لكبرها أمام قريناتها أن الشاعر فلان المغفل كتب فيها قصيدة وهي لا تحبه... وإما لأنها تعمل في (البيزنس) فتبيع المشاعر مع الصفقات. أو أنها أتفه من أن تستوعب بكارة شعره وقد فض الشاعر بكارة غباوتها فلم يبق منها إلا ما هو خاو على عروشه. أو أنها متكبرة متعالية بجمال خضراء الدمن. أما الشاعر الذي يستحق أن يضرب بالرصاص في سوق عكاظ؛ فهو من يعاود كتابة قصيدة أخرى في هذا الصنف من النساء. اللهم لا تستعمل شاعرا من عبادك الملهمين يكتب في غير من عشقها قلبه ...قبل أن تقولوا آمين مكتفين بها أرجوكن وأرجوكم وضحوا السبب وأجركم على الله).
طبعاً لم أقل (آمين)، وأحسبُ أنني بالتعليقين الآنفين قد وضّحتُ أسباب الشاعر كما أعرفها، وأعطيتُ (رؤيتي) بهذا الخصوص: الحُبّ - كما أعرفه؛ وليس بالضرورة أن تنطبق حالة شاعر واحد على كل شعراء العالم، ولكن بالضرورة جداً عدم التسليم بأن ناقداً – أياً كان – من الممكن أن يصف حالة (الشاعر) – أياً كان - بالمطلق، ويعممها إسقاطاً على كل شعراء العالم.. حتى وإن كان يقصد نفسه هو، فليقل (أنا) وليس (الشاعر) عموماً!
وقد قلتُ (أنا) في قصيدة قديمة عنوانها (كأنما الرؤية رؤيا):
وأنتَ تظلُّ تفتّشُ في كلّ رملٍ عن الرّملِ،
تختبرُ الأرضَ؟
هذي الجبالُ علاماتُ سقطةِ ظنِّكَ في المستحيلْ
وتلكَ البلادُ البديلْ
وأنتَ تغنّي: أحبّكِ، أيتها المعجزاتْ
أحبُّ الحياةْ
وأخشى من الآخرينَ الذينَ، على كلّ جرحٍ لنا
يطلبونَ إلى المشي كلَّ الحُفاةْ
وفي كلّ بيتٍ لنا، ينزلونَ إلى الرقصِ بينَ العُراةْ
كأنّ الأفاعيَ قد مدَّتِ الحُبَّ درباً تلوّى
كمثلِ الدوائرِ؛ بينَ الخسائرِ... والتضحياتْ.