محمد عبدالله بن فايز
* امتَنَّ الله تعالى بنعم عظيمة على المملكة العربية السعودية، فوهبها زعيمًا فذًا الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قاد ملحمة تأسيسها دولة كبيرة تُقيم دين الإسلام وتحتضن موطن رسالته ومقدساته، وَوَفَّقَ السَّلَف والخَلَف قادة وعلماء وشعبًا للعمل بمقتضاه وأفاض عليهم الخير ووفقهم لتحقيق نهضة قوية والقيام بأدوار عظيمة لصالح الإسلام والأمن والمصالح المشتركة للمملكة والأشقاء.
* تقلَّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -أيده الله- حكم المملكة، وهو أحد أكفأ قادتها لدوره الجوهري في تطويرها ورِفعتها، وانطلاقًا من معرفته ودراسته الدقيقة لاحتياجاتها وللتحديات والأخطار الموجهة لها ولأشقائها، قرر اتخاذ تدابير جوهرية تُحقق للمملكة مستوىً أقوى من التطور والمَـنَعَـة وتُوثق تعاونها مع أشقائها لحماية الأمن والمصالح المشتركة من الأخطار. وتَرمي تلك التدابير لتحقيق الغايات العليا التالية:
أولاً: إحداث تطوير جوهري للمملكة. ومن أبرز
التدابير المُتخذة لتحقيق هذه الغاية:
* تعزيز القيادة العليا للدولة. وذلك وفق مقتضى
مبدئي الكفاءة والقدرة على التطوير والإنجازات، فتم دعمها بكفاءات قيادية ووزارية رفيعة المستوى وبأجهزة وآلية عمل حديثة لتطوير أدائها وأداء قطاعات الدولة، أبرزها اختيار الأمير محمد بن نايف وليًا للعهد وتكليفه برئاسة مجلس يختص بتطوير المجالات السياسية والأمنية والعسكرية واختيار الأمير محمد بن سلمان وليًا لولي العهد وتكليفه برئاسة مجلس يختص بتطوير الشؤون الاقتصادية والتنمية وتشكيل حكومة من الكفاءات المميزة وإنشاء مركز وطني لقياس الأداء واعتماد قواعد حديثة لرفع كفاءة الأداء والجودة والإنفاق. وأدت هذه التدابير لتحسن سريع لأداء مسؤولي وأجهزة قطاعات الدولة، وهناك عزم على استمرارية هذا التحسن وترسيخه.
* دعم الموقف الاستراتيجي للمملكة. اقتضت الأخطار الجسيمة بالمنطقة اتخاذ تدابير قوية عاجلة لتعزيز موقف المملكة سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، فتَمَّ توقيع اتفاقيات مع دول كبيرة ومؤثرة لإنشاء مجالس عليا للتعاون والشراكة الاستراتيجية وعقد صفقات ضخمة في مجالات التسليح والاقتصاد والطاقة بقيمة نحو «150» مليار دولار مع تلك الدول (أمريكا، فرنسا، الصين، روسيا، مصر، تركيا، الإمارات، السودان، الأردن، الهند، جنوب إفريقيا)، ويتم تنفيذ تلك الاتفاقيات بوتيرة فعالة لتحقيق غايتها المنشودة.
* اعتماد رؤية حديثة طموحة - 2030- للمملكة. وغايتها تحقيق مستوى أعلى من التطور والمَنَعَة للمملكة، وتتضمن الرؤية مشروعات اقتصادية عملاقة ترمي لرفد المملكة بدخل مُضاعف مُستديم - بإذن الله - من مصادر متعددة، وأبرز تلك المشروعات (إنشاء صندوق سيادي برأسمال ضخم للغاية «2 تريليون دولار» لاستثمارها داخل وخارج المملكة - مشروع اقتصادي غايته الاستثمار الأكفأ للخصائص والموارد الحيوية المتوفرة للمملكة). وتُعظِّم هذه الرؤية المسؤولية على المعنيين للتفاني لإنجازها بكفاءة. وسنُذكِّر بالخاتمة ببعض الأُسس والمقومات التي تقتضي عناية فائقة لضمان تحقيق وتعزيز تلك الرؤية بمستوى رفيع بإذن الله تعالى.
* إعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية والتنموية. وهي خطوة تنظيمية أساسية ترمي لتنفيذ المهام والمشروعات بكفاءة وفق خِطط الرؤية، فتم جمع القطاعات المترابطة في النوع والأهداف بجهة واحدة وتعيين أكفأ الوزراء لقيادتها، ومن ذلك (جمع قطاعات الطاقة والصناعة والمعادن بوزارة وقطاعي التجارة والاستثمار بوزارة وقطاعي العمل والشؤون الاجتماعية بوزارة، واستحداث هيئة مستقلة لكل من «تقويم التعليم والتدريب، الثقافة، الترفيه، الرياضة»).
ثانيًا: التَّصدي لخطر الفرس وعملائهم. تمادى نظام الفُرس الطائفي في تدخله العدواني بالدول العربية بالشحن المذهبي والسياسي الحاقد وبالمال والسلاح لدعم وإنشاء أنظمة وميليشيات طائفية عميلة للهيمنة بواسطتها على مجموعة دول عربية بدءًا بالعراق ولبنان والبحرين وسوريا واليمن، ودحرت المملكة وأشقاؤها بالخليج محاولة الفرس بالبحرين، واستجابت لطلب ممثلي شعبي اليمن وسوريا إنقاذهما من عدوان العملاء الطائفيين والفرس، ولتحقيق هذه الغاية الحيوية اتخذت المملكة بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء التدابير الجوهرية التالية:
* تشكيل تحالف عربي بقيادة المملكة. ويضم «12 دولة» وغايته إنقاذ اليمن من عدوان المتمردين عملاء الفرس ومن الإرهابيين. وبفضل الله ثم قدرات سعودية حاسمة ومشاركة قوية خاصة من اليمن والإمارات وقطر، حقق التحالف فوق (70 في المائة) من أهداف غايته وتمثَّلت بإنجازات جوهرية أبرزها (تحطيم أهم قدرات المتمردين - إعداد قوات يمنية كبيرة - تحرير ثُلثي اليمن وتشمل مدن ومنشآت وثروات حيوية كعدن والمكلا ومأرب - اقتراب تحرير تعز وصنعاء وغيرهما - عودة الشرعية لأداء مهامها وتأييدها دوليًا وصدور قرار لصالحها من مجلس الأمن 2216 - تطهير عدن والمكلا ومناطق واسعة من الإرهابيين).
* تعزيز التحالف للدفاع عن السوريين. لإنقاذهم ووطنهم من عدوان نظام طائفي وداعميه الفرس وغيرهم، وَمكَّن الدعم القوي - من المملكة وقطر وتركيا ودعم نُسبي من دول أخرى - المقاومة السورية المعتدلة من تحقيق إنجازات كبيرة جدًا، وأبرزها (تشكيل قيادة سياسية ومقاومة قوية وتحرير مناطق سورية واسعة منها محيط وأجزاء من حلب ودمشق وإلحاق خسائر قاسية بقوات وميليشيات كبيرة جدًا من سوريا وإيران وروسيا وغيرها). تسبب الفرس وعملاؤهم في مآس مروعة وخسائر فادحة بسوريا واليمن والعراق ولبنان لتحقيق أطماعهم المتوافقة مع أهداف اليهود والإرهابيين وغيرهم من أعداء دول المنطقة السُنية المتحالفة، وإن ذلك أشد النُذر المُوجبة على الأقدر منها الإسراع بتقديم دعم عسكري واقتصادي حاسم لشعبي اليمن وسوريا كضرورة قصوى لإنقاذهما ودول المنطقة من خطر الفرس وغيرهم، ويتحتم على قادة الشرعيةر اليمنية والمقاومة السورية المعتدلة وشعبيهما عمل أكفأ لتوفير قدر أعظم من شروط القوة والنصر، خاصة (تحقيق مقتضى مقاصد وعدل الإسلام وما يوافقه من حلول حديثة للخلاص من الواقع المرير المُزمن - تحقيق وحدة القيادة والأجهزة العامة واختيار أصحاب الأمانة والكفاءة للمهام - مضاعفة حجم وكفاءة القوات واستعانة أقوى بالقبائل والمعتدلين لدورهم الحاسم بالتحرير وهزيمة المعتدين - تصنيع الممكن من أسلحة دفاعية فعالة - التركيز لتحرير أهداف تُمثل مفاتيح تُسَهِّل كثيرًا تحرير مراكز الثِّقَل - رفع مستوى أداء القيادة والحكومة ووجودها بقوة مع الشعب وترسيخ الأمن وتوفير الخدمات لدعم شرعيتهما وتقويض الواقع المفروض بالقوة من الأعداء - تشكيل مجالس وطنية ومحلية لدعم المقاومة والوحدة وتسوية النزاعات والمشاركة بصياغة نظام سياسي حديث وعادل).
ثالثًا: قيام المملكة بأدوار مركزية لمحاربة الإرهاب. نظرًا لتفاقم خطر الإرهابيين بالمنطقة وخارجها، قررت المملكة اتخاذ تدابير أقوى - بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء - لمحاربتهم، ومن أبرزها:
* تعزيز التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. فتم مضاعفة الدعم العسكري السعودي لذلك التحالف الهادف لتخليص العراق وسوريا واليمن وغيرها من الإرهابيين، وتم تكبيدهم خسائر كبيرة وطُهرت منهم مناطق واسعة بتلك الدول، ويُتوقع تصاعد الجهود للقضاء على شرورهم بإذن الله تعالى. وتأخذ المملكة بالحُسبان مؤامرات ودعم بعض الدول للإرهابيين كأدوات لأضعاف العرب والمسلمين وتحقيق أهداف خطيرة أخرى.
* تشكيل تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب. نظرًا لتفاقم خطر الإرهاب إقليميًا ودوليًا، دعت المملكة لإنشاء تحالف إسلامي يوحد ما يلزم من جهود وقدرات الدول الإسلامية لمحاربة شاملة للإرهاب، وانضمت لهذا التحالف «39» دولة إسلامية تأييدًا لدعوة قيادة المملكة وثقة بها وبمواقفها الحاسمة للتصدي للأخطار، وتم في المملكة إنجاز خطوات تأسيس التحالف وتنفيذ مناورته العسكرية الكبيرة الأولى. والحقيقة أن نجاح هذا التحالف الحيوي يقتضي مشاركة قوية من الدول الأعضاء الأساسية كمصر وتركيا والباكستان، ويُرجى تطويره وترسيخه ليكون حلفًا رادعًا للأخطار الموجهة لأعضائه.
* تأسيس مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية.
وغايته توحيد وتطوير آلية تضمن تقديم ووصول المساعدات الإغاثية السعودية الحكومية والشعبية - من غذاء ودواء ومأوى وتعليم - للفئات المُصابة بالكوارث والمجاعة. ويُعد المركز من أكبر المنظمات الخيرية العالمية، وبإذن الله تعالى سيعود ذلك بمردودات عظيمة لصالح رخاء وأمن المملكة. وبدأ المركز نشاطه بتخصيص مبلغ مليار ونصف المليار ريال لمساعدة الشعبين اليمني والسوري للتغلب على ظروفهما القاسية.
** الخـاتمة.
* تحقيق رؤية المملكة «2030» وما يُقويها مطلب حيوي للغاية لحاضر ومستقبل المملكة، ويُدرك قادتها والمعنيون من المواطنين أن نقل المملكة لمستوى رفيع وراسخ من التطور والمَنَعَة يُوجب عملاً مُتطورًا وجذريًا - يُفيد بقوة من الجوانب الإيجابية للتجارب المتقدمة ويواكب التحديات - يُحقق الأفضل من المقومات والشروط الأساسية اللازمة لذلك، وفي مقدمتها (تقوية العمل بمقاصد واحكام وقيم الإسلام الوسطى، فذلك أعظم سبب للخير والقوة والأمان وأولى بإنشاء مجلس أعلى يُعنَى بتحقيقها كما يُرام - تطبيق كُفؤ لأُسس علمية وأنظمة ومعايير حديثة - موافقة للإسلام - في مؤسسات الدولة والمجتمع وتخليصها جذريًا من الفساد ومساوئ المركزية والبيروقراطية - إحراز تقدم قوي علميًا وإداريًا وصناعيًا - أولوية قصوى لتحقيق تفوق عسكري - أكثر كفاية - مُعَزّز بوسائل ردع وتصنيع أسلحة أفضل مُكافئة لقدرات وحاجة المملكة والأخطار الشديدة المُتكالبة - تحقيق قدر أفضل وأوسع من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وإسناد المهام للأفضل أمانة وكفاءة - دعم القطاعات الأساسية بمجالس عليا واستشارية ومراكز أبحاث - تفعيل كفؤ وواسع لمبدأ الشورى وللقنوات التي تُحقق مشاركة فعالة للمواطنين بالشؤون العامة لتعزيز الاستقرار والتطور).
وفي هذا المقام من المهم جدًا أن نُذكِّر أن كلاً من إسرائيل وإيران وتركيا والباكستان تملك قدرات علمية وصناعية وعسكرية كبيرة جدًا، وحققت قدرًا كبيرًا من الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس في صناعات أساسية ومنها تصنيع معظم أهم الأسلحة وأشدها خطرًا. والمملكة بفضل الله، لديها أهم المقومات التي تؤهلها لتحقيق مستوى أقوى مما حققته تلك الدول بإذن الله تعالى.
* من الضرورة الحيوية القصوى للأمن والمصالح المشتركة للمملكة ولحلفائها بالمنطقة ولردع الأعداء ما يلي ((مضاعفة الإمكانات اللازمة لتحقيق نجاح حاسم عاجل - بما هو أَضْمَن سياسيًا أو عسكريًا - في اليمن وسوريا، لإحباط المؤامرات والأهداف الخطيرة للغاية المبتغاة من الأعداء بالمنطقة وخارجها والحيلولة دون اتساع نطاقها للدول السُنية بالمنطقة - استمرار وتقوية التحالفات العربية والإسلامية التي أقيمت حديثًا لتكون درعًا حصينًا للدول الحريصة على ذلك خاصة الأكثر قدرة وتأثيرًا - وهي أحوج لهذه التحالفات من الدول العظمى ذات القدرات الهائلة التي تجعل التحالفات أحد أركان أمنها ومصالحها - تشكيل لجنة عربية عليا - من الرموز الكبيرة التي تحظى بثقة وقبول واسع في العالم العربي - للقيام بمساعٍ حميدة لإصلاح ذات البين وتسوية النزاعات داخل الدول العربية وفيما بينها ولجنة أخرى مماثلة على مستوى العالم الإسلامي).
* يُحذر الناصحون أشد التحذير مِما يلي (ضعف الالتزام الصحيح بالإسلام وعدم تحقيق مقاصده العظيمة وما يُعززه من أسباب التقدم والقوة - تَمكُّن الفرس وعملاؤهم أو الإرهابيون من إحكام سيطرتهم على أي من سوريا - العراق - اليمن أو غيرها، فذلك يمثل أشد الأخطار على دول المنطقة خاصة بعضها لأسباب معروفة - مؤامرات المفاوضات الجارية حول مصائر بعض شعوب المنطقة بتخطيط ومشاركة أعدائها خدمة لأهداف ومصالح مشتركة لهم وللفرس واليهود، ومأساة الفلسطينيين من سبعين عامًا أشد دليل ونذير معاصر على صحة هذا التحذير والنُصح الأمين).
ونسأل الله تعالى العِزَّ والنصر للإسلام والعاملين لذلك على الوجه الذي يُرضيه.