د. فهد صالح عبدالله السلطان
جميل أن يشعر المواطن السعودي بأن هناك رغبة ملحة وجهودًا مبذولة للتحول الاقتصادي، ولكن كل ما يخافه المواطن على هذه الجهود هو حائط الفساد. هناك محددات متعددة للبرامج التنموية في أي بلد ولكن محدد الفساد هو العائق الأكبر والأعتى بينها.
عندما أراد الشعب الصيني في العصور القديمة أن يشعر بالأمان بنى سورًا عظيمًا كان من الضخامة والقوة بحيث لا يمكن لأحد اختراقه أو تحطيمه أو تجاوزه والنيل من الآخرين داخله. لقد بنى هذا السور بحيث يمتد لمسافة 4000 ميل ويرتفع 25 قدمًا ويتراوح عرضه بين 15 و30 قدمًا. ومع هذه العظمة التي جعلته من عجائب الدنيا السبع فلم يستطع السور حماية الصينيين وتحقيق الأهداف والأمان الذي أنشئ من أجله، حتى خلال القرن الأول من إنشائه. لقد كان الفساد وقلة النزاهة للقائمين على السور وراء فشل المشروع العظيم وعدم تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها حيث كانت تتم رشوة الحراس لإدخال الأعداء. وباختصار فإن عدم توفر مبدأ النزاهة تسبب في إفشال واحد من أكبر سبعة مشروعات في التاريخ.
تشير دراسات علمية أعدتها اللجنة الوطنية لتقنين أعمال التشغيل والصيانة عن أداء الجهات الحكومية في هذاالقطاع إلى أنه على الرغم من تدني مستوى جودة التشغيل والصيانة في المملكة مقارنة بالمعدلات العالمية إلا أن تكلفتها تزيد عن متوسط تكلفة التشغيل والصيانة العالمي بأكثر من 20 في المائة، كيف نفسر ذلك؟ تدنٍ في الجودة وارتفاع بالتكاليف!والسؤال هنا هو كم سيتم توفيره من الميزانية العامة من باب التشغيل والصيانة فقط إذا ما تم تنظيفه، فضلاً عن رفع مستوى الجودة فيه.
وعلى الرغم من قلة الدراسات العلمية التي تبين الصورة الفعلية لمستوى الفساد في القطاعين العام والخاص إلا أنه لا يمكن لمحب لوطنه ومخلص في نيته أن ينكر وجوده. والمتتبع لما يدور في وسائل التواصل الاجتماعي يلاحظ أنها تشير بأصابع الاتهام إلى هذا الداء عند تعثر أي مشروع أو تواضع خدمة عامة. حتى أصبح المواطن السعودي يعلق على الفساد كل فشل أو تعثر أو تدنٍ في مستوى تنفيذ مشروع أو تقصير في خدمة عامة.كما أن هناك تذمرًا من هدر المال العام في كثير من أوجه الصرف. الواضح أن الفساد مستمر. هذا على الرغم من وجود هيئة مكافحة الفساد التي أسست في شهر مارس من العام 2011 م أي منذ ست سنوات.
ومن هنا فإن الأمر يتطلب وقفة جادة وإعادة النظر ليس فقط في أهداف وآلية عمل الهيئة بل في برامج مكافحة الفساد كلها، وتأصيل النزاهة بوجه عام. وإيجاد حلول عملية جادة وحازمة لاجتثاث جذور هذا الداء العضال. الحلول العملية التي أحسب أننا إذا ما تمكنا منها فسوف ننعم بخدمات ومشروعات شاملة وجيدة مهما كان حجم الميزانية ومحدودية إيراداتنا. الميزانية فيها خير وبركة كبيرة إذا كفت عنها يد الفساد والهدر.
ورد في الرؤية 2030 النص التالي: «لن نتهاون أو نتسامح مطلقًا مع الفساد بكل مستوياته سواء كان ماليًا أو إداريًا». وهو هدف مهم جدًا وأحسب أنه من أهم إن لم يكن أهم أهداف الرؤية.
آمل أن يكون هذا الهدف أولوية في برامج الرؤية فهو هدف متعدٍ وليس لازمًا لذلك لأن تحقيقه سيساعد على تحقيق الأهداف الأخرى للتحول الاقتصادي وسيزيل العقبات التي تعيق التحول المنشود وتقف وراء تطلعات القائمين على البرنامج بأبعاده كلها.
وباختصار، وكما أشرت إليه في أكثر من مقال، فإن نجاح البرامج وجودة المشروعات وشمولية الخدمات وتحقيق الرؤية والتطلعات مرهون بالقضاء على الفساد واجتثاث جذوره، فدرأ المفاسد مقدم على جلب المصالح.
والله الهادي إلى سواء السبيل..