فاطمة العتيبي
ترحلت يوم أمس بين جنبات عمادة القبول والتسجيل، وسرت في ممراتها وكأني كثير عزة يودع أطلالاً أصبحت جزءًا من تكوينه العاطفي الثقافي، استلمت وثيقة الدكتوراه بعد مرور انسيابي بين موظفات مواطنات يتقن بمهارة فائقة وابتسامة صادقة كيف يستقبلن الجمهور.
وحين ودعت المكان، سالت دموعي، هي مزيج بين فرح وسعادة وشعور دفين بالحنين والشجن وذكريات تمر وتعبر انثالت أمامي وكأنها لم يمر عليها سوى يوم واحد.
التحقت ببرنامج الدكتوراه عام 2010 وتشرفت بأن درسني أساتذة فضلاء على رأسهم البروفيسورة هند بنت ماجد بن خثيلة والبروفيسور أحمد بن محمد بن صائغ وكوكبة من دكاترة القسم درست خلالها ستة عشر مقررًا في التخطيط الاستراتيجي، وتحليل النظم، والجودة، والتدريب ومناهج البحث، وكفايات القائد، والتقويم، وإدارة المناطق التعليمية وإدارة التعليم.
واختبرت كل مقرر على حدة في وقته خلال أربعة فصول دراسية. وحين تم الاجتياز كان على أن أدخل الاختبار الشامل أختبر في ستة عشر مقررًا على مدار يومين اثنين فقط بواقع ثمانية مقررات في اليوم الواحد، أديت الاختبار التحريري الذي كان يبدأ من الثامنة صباحًا وتسحب الدفاتر منك الساعة الخامسة عصرًا، الحق إني كنت آخر من يسلم أقضي تسع ساعات في الكتابة، تكتب فيها خبراتك التعليمية وأسلوب تفكيرك تعد خطتك الاستراتيجية في التطوير وتعد برامج تدريبية وتحدد كفايات ومعايير اختيار القيادات ولا بد حينها أن يكون رأيك له مبرراته ومسوغاته ويغير أو يعدل نظامًا قائمًا.
وتذكر أمثلة ومواقف تستشهد فيها، عصارة فكرية متميزة سعدت إنني كنت أفضل من تميز في هذا الاختبار وحصلت على معدل تراكمي قدره 4.6 من 5. وحين تجتاز هذا النفق المهم جدًا، عليك أن تختار مشرفًا على رسالتك التي تبدأ فيها رحلة جديدة، تختار موضوعًا ذي صلة باهتمامك وتخصصك وقد اخترت الحوكمة لارتباطها بطبيعة عملي ولإدراكي أهميتها في التطوير والترشيد وتجويد المخرجات.
وحين يوافق مشرفك على عنوانك تعد خطة بحثك وتقدمها لأعضاء لجنة قد تمر وقد لا تمر!
وحين يكتب الله لك الخير وتمر، تبدأ رحلة البحث التي يوجهك فيها مشرفك ويكون معك خطوة خطوة يعيدك لجادة الصواب كلما تاهت قوافلك في صحاري البحث الشاقة.
وكلما اقتربت من نبع الماء زادت الضغوط وعلت وتيرة الاختلاف بينك وبين المشرف، فأنت ترى النهايات ومشرفك في نضجه ودرايته ينظر لما بعد النهايات، ينظر للجودة والتَّميز في بحثك.
لقد عقدت العزم على اختيار البروفيسورة هند بنت خثيلة مشرفة على رسالتي أنا وزميلة لي في الدفعة وغمرتنا السعادة حين أبدت موافقتها وأختبرت صبرنا على قبول وجهة النظر أو الإقناع بوجهة نظرنا والالتزام بالتعديل فأكملت معي وحظيت بفرصة مهمة في النهل من معين خبراتها الإدارية والعلمية والبحثية، وأجدها فرصة لأشكرها من هذا المنبر فقد بذلت لي من وقتها وجهدها الشيء الكثير بل ولا أنسى أن الدكتورة هند أقنعتني وأعادتني للدراسة وانتشلتني من الحزن العظيم والعزلة النفسية التي ألمت بي بعد رحيل ابنتي رغد التي كسر قلبي فقدها، وبينما أنا في ذلك جاءني اتصال من الدكتورة هند تقنعني بعدم الاعتذار عن الدراسة وأن أعود للجامعة فذلك سيعجل في خروجي من دائرة الحزن.
واستجبت لها وعدت مقدرة لقامة علمية بحجم البروفيسورة التي هي أول عميدة لمركز الدراسات الجامعية للطالبات عينها الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله-، وأول قيادة نسائية تمتلك صلاحيات كاملة في أقسام النساء وأول من بادر وأسس قسم رياض الأطفال وقسم الإدارة التربوية.
وأشكر لها ما منحتني إياه وخصتني به أنا تلميذتها خلال رحلة البحث من علم وخبرة ومواقف تعلمت منها ضعف ما تعلمته خلال خبرتي في العمل الإداري في جهاز وزارة التعليم التي تقارب 19 سنة.
فشكرًا لأستاذتي ومشرفتي وأطال الله في عمرها وزادها توفيقًا. وشكرًا لكل أساتذتي في قسم الإدارة التربوية وأخص سعادة الأساتذة المناقشين الدكتور عبدالله المانع، الدكتور طارق الثويني، د. عبدالعزيز النوح والدكتور يوسف الشبل أستاذ الإدارة والتخطيط من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وأشكر توجيهاتهم التي أضافت للرسالة الشيء الكثير.
وأنا أخرج من البوابة رقم 3 ألتفت نحو مباني جامعة الملك سعود داعية لهذا الصرح العظيم أن يبارك المولى سبحانه بكل ركن فيه وأن يكلل جهود كل العاملين فيه وأن يوفق الله مدير الجامعة معالي الدكتور بدران العمر لأن يضيف على منجزه الذي تحقق في مرحلة إدارته للجامعة وهو أن الجامعة هي الوحيدة عربيًا المصنفة ضمن أفضل مائة جامعة في العالم نتمنى أن تتقدم جامعتنا أكثر وتدخل بقية الجامعات السعودية التصنيف العالمي، كما أني أشكر سعادة رئيس تحرير الجزيرة د. خالد المالك فقد كان نعم المتفهم الحريص على استمراري في الكتابة رغم التأخير، فله كل التقدير.
أتم الله على بلادنا أمنها واستقرارها وحفظ لنا قيادتها وكل عام وكل السعوديين خاصة والمسلمين عامة بخير ونماء.