هاني سالم مسهور
مرت الذكرى المئوية الأولى على اتفاقية سايكس بيكو التي وقعت في 16 مايو 1916م والعالم العربي يعيش في واحدة من أكثر أزماته التاريخية، فلم تعرف منطقة الشرق الأوسط هذا الكم من الإنهاك السياسي الذي نتج عن تراكم ما أنتجته اتفاقية سايكس بيكو من طبيعة صراعات قومية تمركزت في منطقة الهلال الخصيب، وإذا كانت القوى الكبرى فرنسا وبريطانيا وروسيا كانت قد أشرفت في تلكم المرحلة على تقسيم الإمبراطورية العثمانية بين ممثل فرنسا المندوب السامي لشئون الشرق الأدنى (جورج بيكو)، والمندوب البريطاني السامي (مارك سايكس) برعاية روسية والتي مهدت لتوقيع (اتفاقية القاهرة السرية) حتى تم التوقيع على (اتفاقية سايكس بيكو) في بترسبورج الروسية بعد ذلك، فإن المتغيرات ومآلات المشهد السياسي المعاصر قد لا تكون مرتبطة ارتباطاً دقيقاً بحالة العالم العربي حالياً، فالنتائج المتراكمة في ظل الدولة العربية التي نتجت عن (اتفاقية سايكس بيكو) لا تكن تملك كل هذه التدافعات العنيفة التي خاضت فيها المنطقة العربية على مدى قرن من الزمن، فالإرث التاريخي والحضاري والديني وكذلك الثقافي كانت عوامل تفاعلت في داخل كل قُطر عربي أدت بجموعها الطبيعي إلى تلك الصراعات التي كانت محصلتها الأولى انفصال جنوب السودان عن شماله كأنموذج حيّ.
أتساءل بتجرد مطلق: ماذا لو لم يكن هناك (سايكس بيكو)؟، هل كانت تلك الثورة العربية الكبرى في مطلع القرن العشرين المنصرم قادرة على توحيد الجغرافية العربية في كيان سياسي واحد؟، وهل كان تفجير الثورة العربية الكبرى هو مدخل لتفريق تلك الجغرافية العربية وضمن سياق (سايكس بيكو)؟، أسئلة قد تكون في سياق افتراضيات حادة وعلى بُعد مسافة طويلة جداً عن ما حدث بين موسكو وباريس ولندن، نظرية المؤامرة التي سكنت وجدان العربي كلما نظر إلى خارطته العربية تحفز دائماً دوافع ذاتية للانغماس أكثر وأكثر في دوامة الهروب من حقيقة عدم قدرة العربي ذاته في استفهام دوافع تلك الدول لتحقيق مصالحها في جغرافيتنا حتى وإن اشتملت على الصحاري القاحلة، بل والاثنينيات المتضادة، فهذا لا يعني أن لا تحصل تلك القوى الكبيرة من الحصول على ما تشاء فنحن العرب مازلنا نمارس طقوسنا الأولى عبر أحلام لا ندرك كيف زرعت بوحدتنا الواسعة من محيط إلى خليج برغم كل التضادات التي يعيشها الفرد العربي حتى ما قبل ظهور الدولة العربية المستقلة.
العراق وسوريا وليبيا واليمن هي دول وطنية عاشت أزمات وصراعات عنيفة على مدار النصف القرن الأخير، وهي الآن باتت قابلة للقبول بتقسيم الُمقسم، وباتت أمام خيارات عسيرة فإما الاستمرار في صراعات ونزاعات تكلف مزيداً من القتل المتبادل أو الذهاب إلى صيغّ أخرى يمكن من خلالها أن تحقق استقراراً مقبولاً، فالشعوب العربية خاصة في أقطار العراق وسوريا واليمن دخلت إلى مراحل متقدمة في عدم قبولها الذاتي بالدولة الوطنية الجامعة في ظل تفشي الفساد السياسي وصعود التيارات الإسلامية المتشددة التي وجدت في العلاقات الاثنية مساحة غذت من خلالها كل درجات العنف مستغلةً الاهتزازات التي وقعت بعد ما سمي بالربيع العربي.
تعد القضايا والأزمات الوطنية الداخلية غير وقود للقتل والتنكيل والإقصاء وحتى يتم التوقف والانخراط في مشروعات للتنمية ومكافحة الإرهاب والفساد بالقبول برغبة الشعوب التي لم تجد بُداً من دمائها لترسم خارطة الشرق الأوسط الجديد.