د. جاسر الحربش
ليت من يُعرّفنا بعدد العائدين من البعثات الخارجية ولم يجدوا وظائف في وطنهم. لا توجد إحصائية رسمية عن ذلك حسب علمي. إعادة النظر بإنصاف للطرفين والمقارنة بين المواطن والمتعاقد بخصوص الكفاءة وأحقية العمل لم تعد تقبل التأجيل. بطالة الأطباء وأطباء الأسنان والفنيين والتربويين وحملة الشهادات العلمية عموماً من الجنسين تحولت إلى مصدر إحباطات واتهامات بعدم الجدية في التعامل مع مستقبل شباب هذه البلاد، والمستقبل هو الشباب بالأساس.
من الحديث المتكرر في كل مجلس أن فروع شركات المعلوماتية العالمية تختار غالباً لفروعها عندنا متعاقدين أجانب ليرأسوا كفاءات وطنية أفضل منهم تعليماً وخبرة. نفس الأوضاع موجودة في الإدارات العليا للبنوك والشركات الكبرى والفنادق ومراكز التسوق الضخمة، وحتى في صالات بيع السيارات. سوف توضح المسكوت عنه عملية مسح مقارن للكفاءات الإدارية في المؤسسات المذكورة، بشرط أن تكون مقيدة بالإنصاف للطرفين وعدم التحيز، للنظر في فروقات المراكز والمسؤوليات والشهادات والخبرات، وبناءً على ذلك فروقات الرواتب والمكافآت بين المواطن والمتعاقد. لدينا إرث قديم وسخيف في إعطاء أولوية التوظيف للمحسوبية والولاء، سواءً في الحكومة أو في القطاع التجاري الضخم. فروع الشركات المعلوماتية العالمية تُعيّن رؤساء لفروعها في السعودية (وربما في كل منطقة الخليج) إما من أبناء جنس الدولة أو من حملة جنسيتها ذوي الأصول الأجنبية. عملية المسح بحيادية للمناصب سوف تكشف أن صاحب الأصول الهندية يجمع من حوله الهنود واللبناني اللبنانيين والسوري السوريين، وهكذا تمشي الأمور بطريقة عولمة المحسوبيات والأعراق. لا بأس بذلك عندما يثبت بالمقارنة أن الجالسين فوق الأهرام الإدارية هم الأفضل والأجود نوعية، ولكن الأمر يصبح مهزلة وطنية عندما يثبت العكس. في حالات وجود تراتبية إدارية لا تحكمها الكفاءة والخبرة سوف نجد أن الموظف الوطني الكفء ينظر إلى الأعلى بحنق وإحباط، لينفذ التعليمات القادمة من فوق وهو يعرف أن هذا الذي فوق لا يستحق ذلك المكان ولم يكن ليحصل عليه لو أنه من أبناء الوطن. نفس الأوضاع المقلوبة يمكن اكتشافها في البنوك والشركات الكبرى ومراكز التسويق إلى آخره.
مع ذلك ليس المهم تلك الأعداد المحدودة في الإدارات العليا للقطاع الخاص. أهم من ذلك بطالة المئات من الأطباء وأطباء الأسنان والمهندسين والفنيين وخريجي الجامعات من الجنسين، الذين ترفض قطاعات الدولة توظيفهم بحجة عدم توفر الخبرة، في نفس الوقت الذي تزدحم فيه المراكز المناسبة لهم بمتعاقدين مستقدمين من بلدان أضعف تأهيلاً ًفي مؤسساتها الجامعية والمهنية. الموضوع فيه تعجيز متعمَّد وتعطيل سيئ للتنمية عندما تُطالب الجهة الحكومية أو القطاع الخاص خريجنا الجديد بكشف سنوات خبرة، لتتمكّن من إبعاده لصالح المتعاقد، فقط لأنها تستطيع السيطرة عليه واستغلاله لساعات عمل وواجبات إضافية يجد نفسه مضطراً للقيام بها محافظة على مصدر رزقه.
على الدولة - الحكومة أن تعرف أن الترس الأول في التنمية الوطنية لكل بلدان العالم هو هكذا: لا تتبلور وتنمو وتتميز الكفاءات الوطنية سوى بالممارسة وتجربة الصح والخطأ. الطرق المتبعة حتى الآن تُفضِّل الطاعة والمحسوبية. هكذا يتحوَّل الشباب القابل للتأهيل التنموي ولكن يتم إهماله إلى عالات مادية واجتماعية وأخلاقية بلا مستقبل وقابلة لأي برمجة انتقامية. عندما يحرق طبيب أسنان سعودي عاطل شهادته، عندئذٍ افهموا جيداً ماذا يريد أن يقول.