د. عمر بن عبدالعزيز المحمود
(أخبار الظراف والمتماجنين)، صاحب هذا الكتاب هو أبو الفرج بن الجوزي الحنبلي، المولود عام 510هـ، سئل عن عدد تصانيفه فقال: زيادة على 340 مصنفا، منها ما هو 20 مجلدا وأقل، توفي عام 597هـ، قال في سبب تأليفه لهذا الكتاب: «فلما كانت النفس تمل من الجد لم يكن بأس بإطلاقها في مزحٍ ترتاح به»، ويروي عن سفيان بن عيينة قال: أتينا مسعر بن كدام فوجدناه يصلي فأطال الصلاة جدا، ثم التفت علينا متبسما فأنشدنا:
ألا تلك عـَّة قد أقبلتْ
ترفع نحويَ طرفاً غضيضا
تقول: مرضنا فما عُدتَنا!
وكيف يعود مريضٌ مريضا؟
فقلت: بعد هذه الصلاة هذا؟ قال: نعم، مرة هكذا ومرة هكذا.
حرص ابن الجوزي على بيان معنى الظرف والمجون، فقال عن المجون إنه صرف اللفظ عن حقيقته إلى معنى آخر دلالة على قوة الفطنة، أما الظرف فيكون في صباحة الوجه، ونظافة الجسم والثوب، وبلاغة اللسان، وعذوبة المنطق، وخفة الحركة، وقوة الذهن، وملاحة الفكاهة، وكأنَّ الظريف مأخوذ من الظرف الذي هو الوعاء، وكأنه وعاء لكل لطيف، ثم يذكر أنه قسم كتابه ثلاثة أبواب، الأول فيما ذكر عن الرجال، والثاني فيما ذكر عن النساء، والثالث فيما ذكر عن الصبيان، وقد استولى الباب الأول على أكثر صفحات الكتاب، بل إنه قسمه خمسة أقسام، مايروى عن الأنبياء، وعن الصحابة، وعن العلماء والحكماء، وعن العرب، وعن العوام، وفيما يأتي مختارات من هذه الأخبار التي تكشف عن ظرافة ابن الجوزي وجماليات اختياره.
- روي أنَّ رجلاً اشتكى لسليمان عليه السلام من جيرانه الذين يسرقون إوزه، فنادى الصلاة جامعة، ثم خطبهم فقال: وأحدكم يسرق إوزة جاره ثم يدخل المسجد والريش على رأسه، فمسح رجل رأسه، فقال سليمان:خذوه فإنه صاحبكم.
- عن أبي رزين قال: سئل العباس: أنت أكبر أم رسول الله؟ قال: هو أكبر مني وأنا وُلدتُ قبله.
- كان عبدالله بن عمر يمازح مولاة له فيقول: خلقني خالق الكرام، وخلقكِ خالق اللئام، فتغضب وتصيح وتبكي، ويضحك عبدالله.
- لقي رجل الشعبي وهو واقف مع امرأة يكلمها، فقال الرجل: أيكما الشعبي؟ فأومأ الشعبي إلى المرأة وقال: هذه!
- وسأله رجل عن المسح على اللحية في الوضوء، فقال: خللها بأصابعك، فقال: أخاف ألا تبلها، قال: فانقعها من أول الليل!
- قال شريك: سمعت الأعمش يقول: إذا كان عن يسارك ثقيل وأنت في الصلاة فتسليمة عن اليمين تجزئك!
- قال الرشيد لأبي يوسف: ما تقول في (الفالوذج) و(اللوزينج) أيهما أطيب؟ فقال: يا أمير المؤمنين: لا أقضي بين غائبين! فأمر بإحضارهما، فجعل أبو يوسف يأكل من هذا لقمة ومن هذا لقمة حتى أتى عليهما، ثم قال: يا أمير المؤمنين؛ ما رأيت خصمين أجدل منهما، كلما أردتُ أن أقضي لأحدهما لأدلى الآخر بحجته!
- سئل بهلول عن رجل مات وخلَّف ابنا وبنتاً وزوجة ولم يترك شيئا، فقال: للابن اليتم، وللبنت الثكل، وللزوجة خراب البيت، وما بقي للعصبة!
- دخل قوم من بني تيم الله على مجنون من بني أسد فأكثروا العبث به، فقال لهم: يا بني تيم الله؛ ما أعلم قوماً خيراً منكم، قالوا: كيف؟ قال: بنو أسد ليس فيهم مجنون غيري وقد قيدوني، وأنتم كلكم مجانين وليس فيكم مقيد!