عماد المديفر
جاءت الأوامر الملكية السامية الأخيرة لتعلن البدء العملي في تنفيذ رؤية المملكة 2030.. هيكلة جديدة، لحكومة واثبة، خلاقة.. وطامحة..
ومن أبرز ما لفت نظر المراقبين هي تلك الالتفاتة الكريمة من لدن مولاي خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- لموضوع رفاهية وثقافة المواطن السعودي، وتوفير كل السبل الكفيلة التي تهيئ خلق بيئة تسعد المواطن.. يبنيها بيده.. وبالشراكة مع بيوت الخبرة العالمية، وخبراء الصنعة الترفيهية.. وهو ما سينعكس في المحصلة على إنتاجية الوطن.. وعطاء المواطن.. وبالتالي تقدم عجلة التنمية ابتداءاً بالإنسان قبل أي شيء.. فالإنسان السعودي هو الأساس.. وهو الثروة الحقيقية لهذا الوطن الطيب الطاهر العظيم.. كما ذكر سيدي ولي ولي العهد -أيده الله- وهو يشرح مشروع رؤية المملكة الجامح.. «السعودية 2030»..
أمر إذن المليك المفدى بـ»إنشاء هيئة عامة للترفيه».. تعمل على عقد شراكات عالمية في قطاع الترفيه، وتستهدف الوصول إلى 450 نادي هواة بحلول 2020، وتستفيد من تخصيص الأراضي لإقامة المتاحف والمسارح ودور العروض الفنية، وتهتم بدعم الموهوبين من الكُتاب والمخرجين والفنانين، وتشرف على تخصيص مساحات كبيرة على الشواطئ للمشروعات السياحية الكبرى..
الترفيه.. كصناعة.. كفكر.. كثقافة.. وكحضارة.. يأتي في مقدم ذلك وأرقاه: فن «الدراما» بمختلف أنواعها وصنوفها.. فـ»الدراما هي الحياة.. التي اقتطعت منها الجوانب المملة» كما وصفها ملك التشويق «هتشكوك»..
لقد أصبحت الدراما في العصر الحديث لاعباً بالغَ الأهمية في التأثير على الأفكار، ساعد على ذلك انتشار وسائل الاتصال الجماهيري وتنوعها وبالتالي تنوع الفنون الدرامية وتمايزها: فالدراما الروائية -كنص مقروء- مختلفة لحد ما عن الدراما المسرحية والتي بدورها تتقاطع مع الدراما الإذاعية والتلفزيونية والسينمائية في عناصر متعددة. ولكلٍ خصائصه.. وما سأتناوله في هذه المقالة هي الدراما التلفزيونية والسينمائية والمسرحية كونها الأوسع اتصالاً بالجماهير وبالتالي الأكبر تأثيراً في المجتمعات فكرياً وثقافياً..
إن التعاطي مع الدراما يجب أن يكون على أساس: الدراما كصناعة ترفيهية فاعلة على المستويات الاقتصادية والثقافية والفكرية.. بل وتعتبر أحد أبرز أدوات العمل الدبلوماسي الشعبي (الدبلوماسية العامة).. إنها أرقى الفنون.. وأرقى مواد الدبلوماسية العامة.. وأرقى سبل الترفيه على الإطلاق. ولكني في ذات الوقت أحذر أشد التحذير من إسنادها لمن لا يعي أهميتها، ولا يلم بمهاراتها.. وتخونه ثقافته، ووعيه.. فيجني عليها وعلينا وعلى الترفيه برمته! وليصبح التعاطي مع الدراما والترفيه عموما كنوع من التهريج السامج.. أقرب للإسفاف من أي شيء آخر.. وهو ما يعني جناية في حق المجتمع ولا شك.
لذا كان لزاماً، وقبل أي شيء.. العمل على إيجاد البنية التحتية للإنتاج الدرامي المحلي وذلك بتوفير العنصر الأساسي والمادة الخام الأولية لصناعة الدراما السعودية ألا وهي الإنسان السعودي المبدع الخلاق..
فالإنسان السعودي المبدع الخلاق تجده ناجحاً أينما وضع -رجلاً كان أو امرأة-، فهو يبحث بطبيعته وغريزته الإنسانية عن بيئة العمل الأفضل، والتي توفر له احتياجاته المعنوية والمادية (وهذا بالنسبة -طبعاً- للمهن الدرامية الشديدة الخصوصية ككتابة السيناريوهات والإخراج ومدراء التصوير والإضاءة ومدراء الإنتاج والمونتاج وممثلي الصف الأول).
فمتى ما توفرت البيئة المناسبة لجلب هذا الإنسان (المبدع، الناجح) واستقطابه (تذليل المعوقات والصعوبات أمامه ومكافأته بما يستحقه) -امرأة كانت أو رجلاً-: وجد هذا الإبداع الإنساني وبالتالي وجدت هذه الركيزة ومن ثم دارت عجلة التصنيع الدرامي. أما إن لم تتوفر هذه البيئة وهذا المناخ الصحي لاستقطاب الإنسان (الفنان المبدع) فإنه - إنها - يتجه بطبيعته الإنسانية لمناخ عمل آخر يجد فيه سداً لاحتياجاته الطبيعية وبالتالي نكون قد قضينا على المبدع الفنان بداخله وأصبح عدداً من بين الأعداد! ليسد فراغه أيٌ من خاويي الثقافة والمعرفة والإبداع.
ومن ناحية أخرى فلكي يكون لدينا -على سبيل المثال- فنيو صوت متخصصون بالدراما من الشباب والشابات السعوديين الطموحين لا بد من أن نوفر لهم -إضافة للمناخ الصحي- دخلاً ثابتاً وعملاً مستمراً متنامياً مع الوقت، وكذلك الحال بالنسبة لفنيي الإضاءة، والإكسسوار، والديكور، والملابس، والمكياج، والكوافير، ومنفذي الإنتاج.
إن هذه الوظائف، وهذه المهن لا تحتاج إلى الشهادات الجامعية ولا حتى لشهادات الثانوية العامة بقدر ما تحتاج للتدريب الجيد والخبرات المكتسبة.. وهي توفر فرص عمل جيدة تزيد مع الوقت ومع زيادة الإنتاج الدرامي.
ولكي تتوفر هذه البيئة المناسبة لابد من التفكير جدياً في إنشاء مدينة إنتاج درامي على غرار المدن الصناعية: هذه المدينة تتوفر بها الاحتياجات المادية الدرامية المعتادة كالاستوديوهات وورش النجارة والدهان ومعامل الخياطة ووحدات المونتاج والمكساج ووحدات التصوير والإضاءة والصوت، وكل العاملين بها والقائمين عليها هم من الشباب السعودي.
إضافة إلى الأقسام الإدارية والمحاسبية والتوزيع والإعلان.. إنه كم كبير من فرص العمل، تلك التي ستتوفر من خلال هذه المدينة الخاصة بصناعة الدراما - مع الأخذ بالاعتبار الضرورة الإعلامية والثقافية بل والسياسية والاقتصادية لقيام مثل هذا المشروع الوطني الجبار بسواعد سعودية شابة.
إن ميزة هذه المدينة الصناعية -إن وجدت لها الإدارة الكفؤة الخبيرة- أنها تمول نفسها ذاتياً! حيث يكون الدعم المقدم من جهات الاختصاص في بداية المشروع فقط ولأول سنة إنتاج.. وعندما تدور عجلة الإنتاج وتبدأ هذه المدينة ببيع وتسويق وتوزيع منتجاتها فإنها تكون قد حققت الاكتفاء الذاتي بأيد وطنية وفكر وطني أيضاً..
إن الفن الدرامي رسالة (فكرية واجتماعية وسياسية وتاريخية) عظيمة لها قدراتها الفاعلة بل «الأفعل»، كما أن الفنان هو السفير الحقيقي لوطنه ومجتمعه: فهلا التفتنا بصدق وعزم وفاعلية نحو الدراما (سينما - تلفزيون - مسرح)؟... إلى اللقاء.