د. محمد عبدالله العوين
لا ننكر أن جل من ينضوي تحت لواء هذا التنظيم الإرهابي هم من أبناء دولنا العربية والإسلامية، ولا يمكن أن نستثني دولة دون أخرى بغض النظر عن اختلاف نسب المنتمين إليه من حيث الكثرة أو القلة، وهذا يدل دلالة أكيدة على أن ثمة أرضية فكرية جاهزة لاستنبات التطرف والذهاب به إلى أقصى حدوده في الغلو والمروق والتكفير والإجرام متكئاً على مُعطى تاريخي قديم ساعد على إشغال المجتمع الإسلامي في بداياته عن بناء أسس دولته الناشئة آنذاك بدءاً من منتصف الثلاثينيات الهجرية وإلى ما بعد نهاية القرن الأول بقليل، هذا إن لم نر أن فتنة الخروج على عثمان - رضي الله عنه - تُعد البذرة الأولى لفكر الخوارج.
ومن يتردد في النظر إلى الأيدي اليهودية والفارسية التي تولت مهمة تخليق تياري الخوارج والتشيُّع في تلك المرحلة الخطرة الحاسمة من نشأة الدولة الإسلامية الأولى؛ فهو حسن النية يأخذ بالظاهر ولا يتعمّق في قراءة ما وراء الأحداث.
ولم يغفل المخططون الصهاينة وغيرهم عن ذلك التراكم التاريخي من الانشقاق عن النظام السياسي الأول واعتماد رؤى فقهية دينية شاطحة لإحداث الانقسام وإنشاء تكتل فكري تكفيري غال مسلح يقيم أحكامه بكل القسوة والجبروت والإجرام باسم حماية الدين وتحكيم كتاب الله وتطبيق أحكامه على المرتد كما هو شأن الجيل الأول من الخوارج؛ فرأى المخططون الذين آمنوا بما وصل إليه عديد من الباحثين في التاريخ العربي والإسلامي في مراكز الدراسات الأمنية التابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية والموساد وجهاز الأمن البريطاني التي ذهبت إلى القول بأن من أعاق وشتت وأضعف وفرّق الأمة الإسلامية في مطلع نشأتها كان الانقسام الفكري، وما أحدثته فرقتا الخوارج والشيعة يُعد أقوى شاهد على ذلك؛ ولهذا فإن من المجدي إعادة استحياء أقصى حدود ما بلغه التطرف في فكر تينك الفرقتين وإحسان توظيفهما، وهو ما نتج عنه تكوين وتنشئة جماعات متطرفة بدأت بجماعة الإخوان المسلمين مطلع الثلاثينيات من القرن الميلادي الماضي على يد حسن البنا، ثم ما نشأ وتخلَّق تحت عباءة الإخوان المسلمين من تيارات وجماعات منشقة عنها أو منضوية تحت لوائها؛ كجماعة «التكفير والهجرة» و «الشوقيين» و الجماعة المسلمة» وجماعة «الجهاد» ثم «القاعدة» ثم «داعش» وإلى جانب ذلك تم احتضان «الخميني» وفرقته التي تزعم التشيُّع وتمت إزاحة الشاه العلماني الذي لا يمكن أن يساعد على تحقيق أهداف الاستعمار الصهيو غربي الجديد.
سار مخطط الثورة على الشاه وتنصيب الخميني وإشعال الحرب الإيرانية - العراقية ثم الأحداث التي تلتها كما هو مرسوم لها إلى أن توغلت إيران في العراق والشام ووصلت إلى اليمن وأقلقت دول الخليج بتشجيع الانتفاضات الطائفية الشيعية؛ كما هو الحال في البحرين والقطيف مثلاً.
تم تكوين تنظيم «داعش» بالرؤية الخوارجية التي اعتمدتها المخابرات البريطانية والموساد الإسرائيلي، وبعد القبض على المدعو «إبراهيم بن عواد السامرائي» الملقب بأبي بكر البغدادي تلميذ أبي مصعب الزرقاوي وسجنه في معسكر «بوكا» الأمريكي في محيط مدينة أم قصر عام 2004م إبان احتلال الولايات المتحدة للعراق جرى استقطابه، وهناك في سجن بوكا تمت عملية توظيف وتدريب وتهيئة على القيادة والخطابة واعتماد أقصى حدود التطرف الديني في تكوين الجماعة التي ستتطور لاحقاً إلى ما سُمي بالخلافة، وقد وثقت صور عديدة للمدعو البغدادي مع قيادات أمريكية ورجال استخبارات من الموساد، وفي وسع من يريد التثبت إجراء لمسة بحث على «جوجل» ليقدم كل ما التقط وكتب عن تنظيم داعش وتكوينه.
نجحت المخابرات الغربية في تكوين نظام الملالي، ونجحت مع الموساد في تكوين «داعش» وفق خطة «عش الدبابير» البريطانية.
... يتبع.