د. محمد عبدالله العوين
إنها لعبة الاستخبارات الدولية التي تصنع الجماعات والأحزاب ثم تشعل النار بينها؛ لتحترق المنطقة كلها بوقود الصراعات الدينية والطائفية حتى تتآكل قدرات العرب والمسلمين العقلية والاقتصادية والمدنية، لتصبح دويلات صغيرة ممزقة وطوائف متنازعة تعيش خارج العصر مطحونة بأزمات التخلف الحضاري ومأسورة بخناق التردي الاقتصادي وفقدان مقومات الحياة المدنية الحديثة، مستسلمة لدواعي الفرقة والبغضاء والعداء أكثر من استجابتها لبواعث المحبة والتقارب والإخاء.
وهذه خطة مدبرة، وطريقة مدروسة، وفكر اشتغلت عليه أجهزة استخبارات دول كبرى لا تريد للعرب ولا للمسلمين بارقة اجتماع أو تقارب أو وحدة، ولا تحتمل أن يخرج بين ظهرانيها من يبشر بولادة حضارة عربية إسلامية جديدة تسهم مع الأمم المتحضرة في صياغة رؤى إنسانية تقود العالم إلى الخير والتقدم والنهضة ؛ كما كانت في سالف الأوان وماضي الزمان لا مشاركة ؛ بل قائدة في الطليعة حين كان العالم الأوربي يغط في نوم عميق يخدره الاستسلام للكهنوت وفكر القرون الوسطى .
رأى المخططون أن سلامة الحضارة الأوربية والأمريكية في أن تظل شعوب المشرق العربي والخارطة الإسلامية الواسعة مقطعة الأوصال ضعيفة الاتصال فاقدة مقومات القوة، متنازعة متنابزة متنابذة متقاتلة يكيد بعضها لبعض ويحمل بعضها على بعض باسم المذهبية تارة وباسم المروق من الدين تارة وباسم الردة أو التكفير أو الجاهلية ونحوها مما نراه اليوم ونعيشه ؛ دما ينزف، ومدنا تحترق، ورايات ترفع، وجماعات يلعن بعضها بعضا صباح مساء.
اتفق المتآمرون على أن إسرائيل هي صمام أمان الغرب، وأن الفرس لا خطر منهم على حضارة الغرب البتة، واتفقوا على أن العرب والمسلمين بتجربتهم الأولى وزحفهم على الأمم الأخرى إبان مد قوتهم وسطوة حضارتهم لا أمان لهم، وخير من يساعد على إخماد مخاوف نهوضهم في وثبة حضارية جديدة يستعيدون معها طاقاتهم الكامنة التي لا تحتاج إلا إلى من ينفخ فيها روح الحياة من جديد تشتيتهم أولا بزرع بذور الانشقاقات والصراعات بينهم، ثم بتقوية وحماية إسرائيل لتكون سيدة المنطقة العربية ولتمسك بزمام المبادرة العسكرية ولتكون النموذج الحضاري المتقدم المبهر، واستبدال العرب بالفرس في مشاركة إسرائيل الهيمنة على المشرق العربي والإسلامي اتكاء على ادعاء إيران انتماءها إلى التشيع واحتماءها بشعار الإسلامية ؛ على الرغم من أنها في حقيقة الأمر تنهض على جملة من الموروثات التاريخية الفارسية القديمة كالزرادشتية والمزدكية والمجوسية ومذاهب وديانات أخرى متعددة مع خلط ذلك كله بما اكتسبته من الفتح العربي الإسلامي خلال قرون عديدة؛ فتآلف في الشخصية الفارسية لون غريب غير متجانس من المعتقدات والرؤى والطقوس والعبادات والروحانيات والأخلاقيات التي قد يشق على من يتطلع إلى التأمل فيها تفكيكها أو إعادتها إلى مرجعياتها الدينية أو الفلكلورية القديمة، فلا يمكن الجزم بأنها فارسية قديمة خالصة لا تلتقي قطعا مع الإسلام بأية صلة، كما أنه لا يمكن الجزم أيضا بأنها منبتة ومنقطعة كل الانقطاع عن التأثر بالإسلام والحضارة العربية بأي وجه من الوجوه.
ولذلك تم تمزيق الأمة بعد إسقاط خلافة بني عثمان في تركيا التمزيق الأول 1916م على أن ذلك التشتيت لم يكن كافيا ؛ فتم زرع دولة إسرائيل بوعد بلفور، ثم أتي بمن يشارك إسرائيل في الهيمنة على المنطقة بمنحه الفرصة في التوسع والتمدد على مراحل فحمل الخميني على الطائرة الفرنسية من باريس إلى طهران بعد تهيئة وإنضاج ثورة « إسلامية « من قبل CIA وهكذا تم بدأ التنفيذ الفعلي للتفتيت الثاني بحرب العراق مع إيران، ثم بغزو العراق الكويت، ثم بالقضاء على العراق العربي وتسليمه إلى إيران .
ولكن خطة «عش الدبابير» البريطانية التي بدأ التفكير فيها عام 2009م وانطلقت عام 2013م تحت اسم «داعش» استكمالا لثورات ما سمي بالربيع العربي فاقت كل خطط التدمير السابقة ... يتبع