اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
بداية، أؤكد مجدداً أنني مسكون بـ(حقيقة المؤامرة)، مع أن أنصار التغريب يرون فيها (خطأً) مجرد (شماعة) لتعليق فشل (المشروع العربي الحضاري). ولهذا يكاد لا يخلو مقال لي من التطرق للحديث عنها أو الإشارة إليها، ولو سريعاً، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أوعى من سامعٍ، وحامل فقه إلى من هو أفقه منه. أجل، سأظل أحمِّل مؤامرة الغرب علينا كل ما تعانيه منطقتنا من فوضى واضطراب وقتل ودمار للبشر والحجر على حد سواء، عاد بنا قروناً إلى ظلمة التاريخ الإنساني وحياة الغاب التي يسود فيها القوي ويهضم الضعيف، فيرغم على الخنوع والإذعان والاستسلام.
وصحيح.. لا أقول كانت المؤامرة في السابق تأتينا على استحياء، لكنها على كل حال لم تكن في عجلة من أمرها، ولهذا كانت تترصد الفرص، حتى إذا حانت اللحظة المناسبة، انقضَّت تنشب مخالبها فينا، فتفترس كل شيء تستطيع الوصول إليه، وتزرع بيننا عوامل الفرقة والشَّتات والأحقاد، لنبقى متفرقين متشرذمين، يعادي بعضنا بعضاً، بل يقتله أحياناً. أما اليوم وقد تحول العالم إلى جهاز محمول لا يتجاوز حجمه حجم كف اليد في أحسن الأحوال، واستطاع الإنسان أن يقطع آلاف أميال الطيران بمجرد ضغطة زر، ليقف على ما يحدث في الطرف الآخر من الدنيا، واشتغل الكل بالسياسة، فلم تجد المؤامرة بُدَّاً من التكشير عن أنيابها، ودخول البيوت (من أبوابها) عياناً بياناً (على عينك يا تاجر). وإلاَّ، ففسروا لي بربكم، ما الذي يحدث في العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وتونس واليمن والبحرين ومالي والصومال.. وقائمة طويلة عريضة من بلداننا الإسلامية والعربية، التي أثقلتها مؤامرة الغرب وأتباعه، الذين يرون فيه، للأسف الشديد، النموذج الحضاري الإنساني الكامل، الذي حقق كل ما يرفل فيه اليوم من نعيم بذكائه وجهده وطموحه وموارده الذاتية، دون أن يكون لأحد فضل عليه. هذه المؤامرة المكشوفة الدنيئة التي غذّت الطائفية والعنصرية والقبلية والجهوية، وأغرقت المنطقة بالخمور والمخدرات والمسلسلات والأفلام الماجنة والبرامج الساقطة والدعاية المغرضة، وحرَّضت على تفريخ الإرهاب من خلال دعمها المتعمد للأنظمة القمعية التي بدَّدت كل ثروات الشعوب عبر عقود في شراء أدوات القمع والتعذيب والتنكيل، وتنفيذ أجندة الغرب التي تهدف للإبقاء على منطقتنا في مركز دائرة سيطرتها وسطوتها، لتظل إلى الأبد تشكل مورداً غنياً لثروتها، وسوقاً رائجة لبضاعتها.
تلك المؤامرة التي لا تفتأ تحاول جاهدة إجهاض كل محاولاتنا للتخلص من ربقتها والتحرر من أغلالها الثقيلة.. أليس هي التي جاءت بالخميني من (عاصمة النور) فنصَّبته حاكماً مطلقاً في إيران على (أنقاض) حليف الغرب الأمين الشاه محمد رضا بهلوي، ودعمته في السر والعلن لينشر في المنطقة الظلام، حتى إذا اشتد عوده دفعتنا لقتاله في حرب طاحنة، استمرت ثمان سنوات عجاف، قضت على الأخضر واليابس، وأزهقت أرواح ملايين الشباب العراقي والإيراني.
والحقيقة، قائمة خسائر العرب والمسلمين بسبب مؤامرة الغرب تكاد لا تنتهي، ولهذا أكتفي هنا بهذه الإشارة السريعة، لأناشد العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بضرورة وضع حد لتلك المأساة التي (تقاسمتنا بالخرائط ولايم) على رأي أخي الأمير خالد الفيصل. أما نحن في الخليج، فلا أدَّعي أننا كنَّا بمنأىً عن مؤامرة الغرب، بل على العكس تماماً، كنَّا وما زلنا وسنبقى للأسف الشديد، في بؤرتها تماماً ومحور تركيزها بسبب ما أنعم الله به علينا من خير وفير ديني واقتصادي وجغرافي وتاريخي، جعلنا هدفاً للعالم كله. إلا أننا أدركنا في وقت مبكر حقيقة الأمر، غير أننا لم نكن نمتلك الأدوات اللازمة التي تمكننا من التصدي لها.
أما اليوم وقد منَّ الله علينا، انتبهنا للأمر واتخذنا خطوات جريئة في التصدي لمؤامرة الغرب علينا وتحصين نفسنا من شرِّها، فأعلنا في الحادي والعشرين من شهر مايو عام 1981م، الموافق رجب 1401هـ، قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بخطوات حثيثة واثقة، ترعاها عناية الله وتوفيقه، ثم صدق نية قادتنا ورغبة شعبنا في خليج الخير في العيش في بيت واحد كبير، تحت سماء الخليج، وعلى ثرى أرضه المعتقة بعبق التاريخ. وفي الشهر التالي لإعلان قيام المجلس من العام نفسه، تم توقيع الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بين الدول الأعضاء في المجلس، فمثَّلت ركيزة أساسية لانطلاق قافلة الخير التي حققت كثيراً من الانجازات لشعوب المنطقة، حتى غدا المجلس من أنجح التكتلات في العالم، إذ حقق حتى اليوم نحو (90%) مما اتخذه من قرارات إلى واقع على الأرض، وتوثقت اللحمة بين شعوبه وشُكِّلت جمعيات وهيئات مشتركة في كل المجالات السياسية، الأمنية، الدفاعية، الاقتصادية، الإعلامية، الثقافية، الاجتماعية، حتى القضائية وغيرها. بل امتد الأمر لتخصيص المسابقات الثقافية والأمنية ومسابقات حفظ كتاب الله الكريم، فضلاً عن تنفيذ الحكومة الإلكترونية، وتنظيم المهرجانات والاحتفالات المشتركة، بجانب حرية التنقل المفتوح لسائر شعب الخليج داخل دول المجلس؛ بجانب ما تحقق اليوم من إجماع في عاصفة الحزم والتحالف العسكري الإسلامي، الذي تشكل دول الخليج لحمته وسداه.
وأعرف أن الوقت لن يتسع للحديث بالتفصيل عن القواسم المشتركة في كل تلك العوامل بين أهل الخليج، ولهذا أكتفي بلمحة سريعة عن الجانب السياسي الذي يعد اليوم أهم الجوانب، لما يكتنف العالم من تدافع وهرج ومرج وخصومة مفتعلة، وصداقات تفرضها المصالح، واستثمارات أرخص ما فيها روح الإنسان ودمه وماله وعرضه وكرامته، ناهيك عن هويته.
كان شعب الخليج حتى قبل ظهور دوله بحدودها الجغرافية المعروفة اليوم، أمَّةً واحدة، تجمعها عقيدة واحدة، وعادات وتقاليد ونظام حياة اجتماعي وتداخل قبلي محصن بالرحم والدم؛ ولهذا حتى عندما قسَّمته مؤامرة الغرب إلى دول، ظلَّت عرى الوحدة كما هي، لم تنفصم مع كل محاولات المتآمرين، لأن جذورها تمتد عميقاً في نفس كل واحد منّا.
أما الموقف السياسي الرسمي، فبقي كما عهدناه منذ القدم، بل توحّد أكثر وترسّخت دعائمه، فأصبحت كل دولة تناصر الأخرى، وتتبنى مواقفها، لاسيما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. والشواهد على حديثي هذا بين دول المجلس لا تعد ولا تحصى، غير أنني اكتفي بإشارة سريعة لتلك العلاقة الوثيقة لما حدث بين السعودية والكويت منذ قيام الدولة السعودية في مراحلها الثلاثة، لاسيما في دورها الثالث عندما انطلقت قوافل المؤسس الرجل الصالح الملك عبد العزيز آل سعود المتوكل دوماً على الحي الودود، من أرض الكويت الحبيبة باتجاه الربع الخالي، لاسترداد الرياض واستعادة ملك الآباء والأجداد وتأسيس هذا الكيان الشامخ الراسخ، الذي يشكل اليوم عمود خيمة دول الخليج العربي كأحسن ما يكون الدعم والسند. وصحيح.. ما حدث قرأناه في الكتب تاريخاً عريقاً جزلاً، يشرح النفس ويسر الخاطر، غير أن ما رآه شعب الخليج وسمعه من صدق وإخلاص في هذا المجال، تقشعر الأبدان لصدقه وعمقه وإخلاصه للانتماء للأمة ولشعب الخليج؛ خاصة عندما اتخذ الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، طيَّب الله ثراه، عام 1411ه (1990م) قراره التاريخي الشجاع باستدعاء القوات الشقيقة، خاصة من دول الخليج وبقية الدول العربية والصديقة من مختلف أنحاء العالم، للمساندة في دحر عدوان صدام على الكويت الحبيبة المسالمة، يد الخير للعالم كله. ولن ننسى أبداً ردَّه الحازم الحاسم الشجاع على عزَّت إبراهيم الدوري، نائب الرئيس صدام حسين، عندما جاء إلى الفهد في جدة صبيحة العدوان، مطمئناً ألاَّ خوف على السعودية. فلم يتردد الفهد كعادته حتى لثانية واحدة، إذ كان الرد جاهزاً، انطلاقاً من مبادئنا الراسخة: (... لا تحدثني عن السعودية، أنا أحدثك عن الكويت، إما أن تبقى الكويت والسعودية، أو تذهبا معاً.. مستحيل أن تذهب واحدة وتبقى الأخرى). واصفاً عمل صدام هذا بـ(أفظع عدوان تشهده الأمة العربية في التاريخ).
وبالطبع، ليس أقل تلك المواقف النبيلة، موقف الكويت الشقيقة الوفية، حتى من مواطنها عبد الحميد عباس حسين دشتي، عضو مجلس الأمة الكويتي عن الدائرة الأولى؛ صاحب المواقف (غير الحميدة) تجاه مملكة الخير والسماحة والكرم. إضافة إلى موقف الخطوط الكويتية في فصل الطيار أحمد عاشور، الذي سار على درب دشتي، والحكم عليه لسنتين؛ إلى موقف دولة الكويت النبيل، الذي عبَّر عنه ابنها النبيل الشيخ مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة الكويتي، في القصر الحكومي العراقي، في قلب (المنطقة الخضراء) وسط بغداد، أثناء افتتاح مؤتمر اتحاد (برلمانات) الدول الإسلامية في دورته الحادية عشرة، الذي قاطعته السعودية، صباح الأحد 14-4-1437هـ، الموافق 24-1-2016م، ردَّاً على د.علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني، في ما يتعلق بتطاوله على بلادنا الغالية، الذي يعد تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، إذ لم يتردد الشيخ الغانم، واندفع كالسهم يلجم غرور لاريجاني، مسدِّداً له (لطمة) مدوِّية مفاجئة: (قبل أن أبدأ كلمتي، أود أن أنوه إلى أننا حضرنا هنا لكي نتعاون ونتعاضد ونقرب وجهات النظر، وأنا أسجل اعتراضي على ما جاء بكلمة الدكتور علي لاريجاني في ما يتعلق بما حدث في المملكة العربية السعودية، واعتبره تدخلاً في شؤونها)، مضيفاً: (إذا كانت المملكة غير موجودة في هذا الاجتماع، فأنا شخصياً والوفد الكويتي نمثل المملكة العربية السعودية). ثم يؤكد الغانم أصالته وصدق انتمائه للبيت الخليجي الكبير في ردِّه على بعض المغالين الذين اتهموا شخصه الكريم (ظلماً) بالتقصير في حق السعودية: (الشعور بالتقصير قائم تجاه الأشقاء في السعودية باعتبارنا لا يمكن أن نوفي المملكة حقها). فحظي الغانم بما يستحق من التقدير والاحترام، إذ هاتفه مليكنا المفدى سلمان الحزم والعزم والرأي السديد، صنو الوفاء؛ الذي ردَّ تطاول لاريجاني بصفعة حازمة لرئيسه حسن روحان في تركيا، عندما تجاهله على الملأ، أمام شاشات العالم، أثناء فعاليات مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الأخير، مع أن روحاني كان متحفزاً ومشرئباً لمصافحة الرجل الكبير، سلمان.. غير أن روحاني (للأسف) لم يعد يعرف قائدنا الحازم سلمان، الذي لا يكره شيئاً في حياته مثل كراهيته الكذب والنفاق والتردد والخذلان ومسك العصا من المنتصف.. أقول، حظي الغانم بما يستحق من تقدير واحترام، فهاتفه سلمان الوفاء شاكراً ومقدراً ومثمِّناً دوره الإسلاميلعربي الخليجي الأصيل، كأصالته هو ابن الاقتصادي السياسي المخضرم، الذي جاء يسير على درب خاله جاسم الخرافي، الذي عرفه الخليجيون، بل العالم كله لطول باعه في السياسة.. فشكراً أخي الشيخ مرزوق الغانم من أعماق كل السعوديين؛ وإن كنت أتمنى لو أن الدولة المضيفة اتخذت الموقف نفسه، ليس من أجل السعودية التي لن تعدم نصيراً، بل من أجل شكل العراق أمام العالم، على الأقل كما يفعل المذيعون في القنوات الفضائية للمحافظة على حق ضيوفهم، حتى إن اختلفوا معهم.
فضلاً عن الموقف النبيل (الطبيعي) لدول الخليج كافة تجاه السعودية، إثر اعتداءات إيران على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد مؤخراً؛ وقبل هذا وذاك، تأكيد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت: (أية إساءة للسعودية أو دول الخليج، هي إساءة للكويت. وأي جرح للدول الشقيقة في مجلس التعاون الخليجي، هو جرح للكويت ولي أنا شخصيَّاً). ثم تأكيد الشيخ ثامر جابر الأحمد الجابر الصباح، سفير الكويت في الرياض، أثناء احتفالات السفارة بيومها الوطني الأخير: (إذا كانت الكويت هي العين، فإن المملكة هي سواد العين)، في دلالة واضحة لما أكده سلطان الخير.. درع الأوطان أثناء اعتداء صدام على الكويت: (إذا كانت السعودية هي العين، فإن الكويت هي سواد العين)، تأكيداً لاتحاد الرؤى، وحفظ مواقف الشرف، إيماناً بوحدة المصير والهدف.
والحقيقة، ينطبق هذا على العلاقة الصادقة النبيلة بين جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، دون استثناء؛ لما يجمعها من وحدة العقيدة والكيان الجغرافي والتاريخ والثقافة واللغة؛ كما تتشابه نظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى حد كبير. فضلاً عن وحدة المصير والمصالح المشتركة والمستقبل؛ بل قل إن وجودها أصبح اليوم حتماً رهين بما تحققه من وحدة وتماسك؛ ويعزز هذا عدم وجود أي عامل اختلاف بين سائر دول المجلس. إذن ليس مطلوباً، من وجهة نظري المتواضعة، غير القرار السياسي الذي يحول، لا أقول الحلم، بل الأمر البدهي إلى واقع عملي.
وعليه، أجدد اليوم مناشدتي بصوتٍ عالٍ، ونحن على بعد بضعة أيام معدودات من الذكرى السنوية لتاريخ إعلان قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في الحادي والعشرين من مايو عام 1981م، لإعلان (رؤية) استثنائية كـ(رؤية السعودية 2030) لتحقيق الاتحاد التام، لنقل خلال خمس سنوات مثلاً حداً أقصى؛ استجابة لرغبة شعب الخليج الذي يسير على هدى قادته الأوفياء الذين هم أكثر رغبة في تحقيق هذه الوحدة التي لا مناص منها مطلقاً. ولتكن وحدة فدرالية، تحتفظ فيها كل دولة بحقها في إدارة شؤونها الداخلية حسبما تريد؛ ويبقى الأمر الأهم الذي لا يقبل التأجيل، أن تكون لدول الخليج، من اليوم، سياسة خارجية موحدة، تعبر عن إرادة الكيان كله، طالما أن الجميع يقف إلى جانب بعضه البعض في ما يتعلق بكل القضايا الخارجية التي تهم هذا الطرف أو ذاك، ما دام المصير واحد. وليتحول المسمى إلى (الاتحاد الخليجي).
فأتمنى من كل قلبي ألاَّ تمر الذكرى الخامسة والثلاثين هذه لقيام (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) دون إعلان (رؤية) واضحة باتفاق الجميع لتتحول إلى (الاتحاد الخليجي).. ولنبدأ من اليوم باحتفالات موحدة تقام في جميع دول (الاتحاد الخليجي) في الحادي والعشرين من شهرنا هذا، ولا مانع أن يحتفل كل على طريقته، كما أتمنى أيضاً أن يعلن هذا اليوم عطلة رسمية في جميع الدول الأعضاء، دون استثناء، ولا يمنع أيضاً أن نبدأ بتوحيد خطابنا الإعلامي الخارجي، لأن القضية واحدة والهدف واحد، شئنا أم لم نشأ. وأضم صوتي هنا لما تفضل به الأخ أحمد محمد الشحي، مدير عام مؤسسة رأس الخيمة للقرآن الكريم وعلومه رئيس مركز جلفار للدراسات والأبحاث، في جريدة البيان الإماراتية، الخميس 4-4-1437هـ، الموافق 14-1-2016م، العدد 12993، ص32 في مقاله الرصين: (هل حان موعد الاتحاد الإعلامي؟). مجيباً أن نعم.. بل قل موعد (الاتحاد الإعلامي).
وختاماً، أتمنى بصدق أن يأتي اليوم الذي تتحول فيه دول الخليج من (مجلس) إلى (ديوانية) واحدة، يتفيأ أبناء الخليج وبناته ظلها الوارف.. مذكِّراً أهلي في الخليج بصوت أخي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، في قصيدته الرائعة، كعادة (دايم السيف) دائماً، شاعر الكلمة والصورة: (إلى أهلي في الخليج العربي: تحزَّموا)، التي وجَّه فيها الفيصل نداءً صادقاً نابعاً من أعماق شاعر مرهف، وإداري محنك، عرف الحياة، وعركته التجارب، وقرأ بذهن متقد، وقلب حاضر، وبصيرة واعية، ورؤية متقدمة، ما يخفيه (كاشر النَّاب) من مؤامرة دنيئة لم تعد تنطلي على أحد، إذ يقول:
من ضيَّع الفرصة دهته الهزايم
ومن لا يجهِّز لـ(أخطر) أيامها خاب
اليوم ما هو يوم لومٍ ولايم
اليوم للِّي يرفع الرَّاس حرَّاب
وأنا أدري إن الكل بالمجد هايم
وكلٍ لعز الدَّار بالروح وهَّاب
فلنهُب لكي نهَب أرواحنا رخيصة لعز بيتنا الخليجي؛ وليتذكر الجميع أن (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) تأسس بعد أن تحول تهديد إيران لدول المنطقة إلى عمل فعلي، إثر اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية عام 1980 م. أما اليوم وقد استباحت جحافل إيران العراق، ومزَّقت أوصال سوريا كما مزَّقت جسد أطفالها النحيل وحاصرت الضعفاء فقتلتهم جوعاً وساعدت النظام لصب الحمم على كل أشكال الحياة فيها وحوَّلت حلب إلى (قروزني) أخرى؛ واختطفت لبنان عن طريق وكيلها الذي كنَّا نأمل أن يكون حقاً حزباً يناصر دين الله، فيحرر أرض المسلمين وينصر المظلومين ويرسخ مبادئ الحق والعدل ويملأ الدنيا بالسلام الذي هو اسم من أسماء الله.. لكن للأسف الشديد، كل ممارسات (حزب الله) كانت عكس ما تمنيناه تماماً، بل ذهب أبعد من ذلك، ليعطل الحياة الدستورية في لبنان الذي فشل مجلس نوابه في نحو أربعين جلسة لأكثر من عام لاختيار رئيس، في ظاهرة لم أعرف لها مثيلاً في حياتي؛ فضلاً عما زرعته إيران من فوضى كادت تحول اليمن إلى عراق أخرى، لو لا لطف الله سبحانه وتعالى ثم حزم سلمان.. أقول أما اليوم وقد كشَّرت إيران عن أنيابها، أصبح لزاماً علينا التحول إلى (الاتحاد الخليجي) لنشكل سدَّاً منيعاً أمام أطماع المد الصفوي.. وكل عيد وطني خليج الخير بخير وفي أمن وأمان واطمئنان وسلام.