اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
غضبة الحليم
منذ انطلاق مناورة (رعد الشمال) يوم السبت 11-5-1437هـ، الموافق 20-2-2016م، حتى ختامها المهيب يوم الخميس 1-6-1437هـ، الموافق 10-3-2016م، الذي شرّفه قائدنا الهمام، بطل الحزم والعزم والحسم والثَّبات، جامع كل صفات البطولة والقيادة، والشهامة والمروءة، سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه ومتَّعه دوماً بالصحة والعافية، وسدَّد على طريق الخير خطاه، بحضور قادة الدول التي سبقت إلى الخيرات، ففازت بشرف المشاركة في تلك المناورة المدهشة، التي تعد بحق أكبر مناورة في الشرق الأوسط، بل قل من أكبر المناورات العسكرية في العالم من حيث سعة نطاقها، وعدد القوات التي شاركت فيها وتشكيلاتها، وأيضاً عدد الدول التي انضمت إليها طوعاً، بل تسابقت للفوز بهذا الشرف العظيم.. أقول، منذ بداية تلك المناورة الاستثنائية بمدينة الملك خالد العسكرية، بمنطقة حفر الباطن، شمال شرقي بلادنا الحبيبة قرب الحدود السعودية العراقية، كتب كثيرون عن هذا الحدث الفريد المهيب، الذي بثّ الذُّعر في نفس الأعداء وزلزَّل الأرض تحت أقدامهم، وأربك حسابات الغرب والطامعين الذين طالما امتطوا صهوة (حصان طروادة) للسيطرة على المنطقة والدول المستضعفة للتمتع بخيراتها دون أهلها، ثم صنَّفوا العالم إلى عالمين؛ عالم أول: يمثلونه هم عبر شركاتهم العابرة للقارات ومافيا السلاح والمخدرات وتجارة البَشر، الذين ينفذون أجندتهم عبر حكومات تلك الدول، التي تتقاسم معهم ما يعودون به إليها من صيد ثمين، كبر أو صغر؛ وعالم ثالث: تمثله البقية الباقية من الدول المستضعفة، التي من بينها منطقتنا بالطبع، دون أن يكون هناك عالم ثانٍ بينهما. رافق ذلك حملة إعلامية مغرضة، مازالت مستعرة منذ أكثر من قرن، لترسخ في نفس شعوب الدول المستضعفة أنهم لن يكونوا يوماً نِدَّاً لشعوب العالم الأول، في مسيرة تحول تقاطعت فيها المصالح، أفضت إلى هذا الواقع المرير الذي نعيشه اليوم، كما صوَّره أخي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، في كلمته البليغة الجامعة المعبِّرة، كعادة (دايم السيف) دائماً، في منتدى جدة الاقتصادي، يوم الثلاثاء 21/5/1437هـ، الموافق 1/3/2016م، إذ يقول سموه الكريم: (... للتحول حالات وفترات وظروف.. وله عقل وقلب وفكر وسيوف.. وله آليات ودواعي.. وما يستدعيه داعي، وما ليس لداعي.. عانت منه مجتمعات أوروبا قبل أن تشفى بنهضة وتهنأ بغمضة، وكم استغرقت فيه من الوقت أمريكا، قبل أن ترقى من راعي البقر إلى حاكم البشر...) مستطرداً وصف تلك المراحل وما بذلته مجتمعات الغرب من جهد وعمل: (حتى أصبحت سلطة مدوِّية، تصنع ما تريد فيمن لا تريد)، كما يشهد الواقع اليوم.
أجل، كتب كثيرون عن هذا الحدث الفريد، الذي هو صناعة سعودية بامتياز، معدِّدين أهدافه من سعي لتحقيق الأمن والاستقرار، ومحاربة التطرف والإرهاب بكافة أشكاله، من خلال هذا التعاون والاتفاق والانسجام الذي يمثل علامة فارقة حقاً في مسيرة العمل الإسلامي العربي المشترك عبر التاريخ، مما يؤهله بجدارة ليكون خير عون لـ (الأمم المتحدة) في بسط سلطة القانون في العالم، إن هي فعلاً أنصفت.
أما محدِّثكم، فمن خلال خبرتي المتواضعة في العمل العسكري، وتشرُّفي بالخدمة في الجيش العربي السعودي البطل لعقود، الذي تركت قلبي وعقلي وولائي معه إلى الأبد، حتى بعد تقاعدي عن الخدمة المباشرة، لا أجد ما أقوله أمام هذه التجربة الفريدة الشجاعة الجريئة الذكيَّة الصادقة النبيلة، ومهما حاولت أن أقول، وجدت نفسي عاجزاً عن التعبير عن الحدث بما يستحق فعلاً، ولهذا لم أجد بُدَّاً من استئذان الشاعر الهُمام أبو تمَّام، لأردد معه:
(رعد الشمال) أصدق إِنْبَاءً من الكُتُبِ
في حَدِّه الحَدُّ بين الجِدِّ واللَّعِبِ
وهو المعني نفسه الذي قصده شاعرنا صالح بن سليمان بن سحمان، في مطلع قصيدته الرائعة (سادت مكارمه بين البرية) التي نشرت في جريدة أم القرى، في 20/11/1348 هـ، العدد (280)، بمناسبة انتصارات المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، طيَّب الله ثراه، فما أشبه الليلة بالبارحة، إذ يقول:
الفخر للسيف ليس الفخر للقلم
فاكتب به واترك الأقلام كالخدم
فإن فيه الشفاء من كل معضلة
وهو الدواء لأهل المرتع الوخم
فانظر لآثاره في المعتدين وفي
آثاره خط في القرطاس بالقلم
شقَّ العصا أناس لا أخلاق لهم
ولا عقول، وهم من أخبث الأمم
ظنُّوا سفاهاً بأنَّا، من غباوتهم،
عجزاً تركناهمو عن فعل منتقم
فقد تمادوا ولجُّوا في همايتهم
وحاربوا الله جهراً من شقائهم
سارت إليهم جنود الله يقدمها
غضنفر من ليوث الأسد ذو همم
ملكٌ تحلَّى بأخلاق مهذَّبة
وبالمكارم والإحسان والشِّيم
ملكٌ جليلٌ عظيم القدر منتبهٌ
ماضي العزيمة ذو فضل و ذو كرم
ملكٌ عظيم له الأملاك خاضعة
ذلاً ورعباً وخوف الصارم الخدم
نور البلاد الذي سارت مكارمه
بين البريَّة من عرب ومن عجم
ومع كثرة ما كتب، وبلاغة ما قيل وصدقه، ومحاولته الدَّءوبة لقول ما يجب تجاه هذا الحدث المهيب، إلا أن سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله ورعاه، تفوَّق علينا كلنا، حين أوجز الحكاية في كلمات موجزات، يمكن للمحلِّلين والمراقبين والمهتمين أن يعملوا عليها سنين عددا، فيفككوا كل كلمة فيها إلى مجلدات، حين أوجز موضِّحاً: (رعد الشمال عمل لخدمة الإسلام والمسلمين)، ثم غرَّد في ختام التمرين الذي ازداد ألقاً وقوة وصموداً بتشريفه له: (فخورون هذا اليوم بتضامننا في رعد الشمال، وأن يشاهد العالم عزمنا جميعاً على ردع قوى الشِّر والتطرف ومحاربة الإرهاب). وعليه، أكتفي هنا بهذا القدر لأتناول موضوعات أخرى مهمة ذات صلة بما تحقق، أهمها:
شخصية القائد المدهشة
سبق أن أشرت في كل ما تشرفت به من حديث عن سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه، إلى إجماع كل من كتب عنه ووثَّق له، على أنه أشبه إخوته الكرام بوالد الجميع المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل، طيَّب الله ثراه؛ الذي كان بطلاً هماماً بحق، وقائداً عبقرياً، وهبه الله من صفات البطولة والقيادة ما لم يجتمع لغيره من زعماء عصره، إذ كان شجاعاً مقداماً حازماً، سياسياً أريباً محنكاً جحجاحاً، حكيماً، شهماً، متواضعاً، عفيفاً، رحيماً برعيته، سديد الرأي، صبوراً، رجلاً صالحاً، شديد الإيمان بربه، عظيم الثِّقة في نصره وتأييده، مخلصاً لرسالته مضحيِّاً بكل غالٍ ونفيس في سبيل أدائها على الوجه الذي يرضي ربه، فجمع الله به الشمل، ووحَّد البلاد، وألَّف القلوب، وحارب البدع و الخرافات، وبسط الأمن، وبدَّد الظلم، وشمل عدله كل قاصٍ ودانٍ، وأنصف حتى البعير من صاحبه، فتدافع المسلمون من كل حدبٍ وصوبٍ يؤدون نسكهم في أمن وسلام واطمئنان، بعدما كانت رحلة الحج محفوفة بمخاطر عظيمة، جعلت كل حاج يودِّع أهله وداع غير آيبٍ.
فأعجب به البعيد قبل القريب، وأشاد ببطولته وإخلاصه لعقيدته وصدق نيته وحرصه على شعبه وجمع شمل أمته الإسلامية والعربية، كل من كتب عنه وأرَّخ له، غير أنهم لم يفلحوا حتى اليوم في توثيق كل ما ينبغي أن يقال في حق هذا الرجل الصالح، القائد الاستثنائي، الذي أدهش التاريخ؛ لأن إنجازاته وأعماله أعظم من أن تجمع بين دفتي كتاب، مهما تعددت صفحاته. أما محاولات معاصريه من الشعراء لتوثيق حياته، فكلها تأسر اللُّب وتأخذ العقل، غير أنني أكتفي هنا، إضافة لما سبق، ببعض أبيات من قصيدة للشاعر محمد العباسي البغدادي، أحد رؤساء وفود حج عام 1351ه (تتباهى به المعالي)، وهي قصيدة عصماء، تتكون من (58) بيت شعر رصين، وددت أني أستطيع الاستشهاد بها هنا كلها، نشرت في جريدة أم القرى، 19/12/1351هـ، العدد (435)، إذ يقول:
ذاك عبد العزيز خير مليكٍ
سعد آل السعود بدر سماها
ذاك للدِّين ناصرٌ ومعينٌ
ذاك من يمنح العفاتِ غناها
ذاك عندي أنقى الملوك خصالاً
ذاك عندي أبرَّها أتقاها
ذاك يوم النَّوال أغزر بحرٍ
ذاك يوم النِّزال ليث وقاها
ذاك يوم الطراد أعظم ركنٍ
ذاك يوم الحروب قطب رحاها
ذاك يوم العلوم شمس ضحاها
ذاك يوم الفنون نور دجاها
ذاك طود من الكمال رفيعٌ
ورفيع الكمال طود سخاها
ذاك للعرب مفخرٌ وسلاحٌ
وهمام إذا دهاها دُهاها
تتباهى به المعالي وأكرم
بمليكٍ به العلى يتباها
طرَّز السعد بردةً من فخارٍ
وعليه دون الملا ألقاها
أمَّن الطرق في الحجاز وكانت
قبله يشتكي بئيس أذاها
كانت أرض الحجاز تشكو غلاها
فمحا الله ضيقها وغلاها
عمم العدل في الجزيرة قسراً
ومن المهيع الوخيم وقاها
وعلى الدرب ذاته جاء حادي ركبنا اليوم، وحامل مشعل رسالتنا، سلمان الخير والحزم والعزم والحسم يمشي، فكان أشبهنا بعبد العزيز، بشهادة الجميع فـ:
بنى كما كانت أوائلنا تبني
وفعل فوق ما فعلوا
فأضاف إلى ذلك المجد المؤثَّل كله، معرفة عميقة بالثقافة والاقتصاد والفكر والعلوم والآداب والتاريخ، تشهد له بذلك شهادة الدكتوراه الفخرية في الدراسات التاريخية والحضارية، التي منحته إيِّاها جامعة الملك سعود يوم الثلاثاء 14/6/1437 ه، الموافق 23/3/2016 م؛ استشعاراً عظيماً لرسالة آبائه وأجداده الكرام وشعبه الوفي المخلص في العناية ببيت الله الحرام ومثوى رسوله الكريم، صلَّى الله عليه وسلم، وخدمة قاصديهما من كل فجٍ عميق.
ولهذا ليس غريباً أن يؤكد في كل حديث له تقريباً: لقد خصنا الله، له الحمد والشكر والثناء الحسن، بما لم يخص به أحداً غيرنا من خلقه، إذ جعل بيته العتيق ومثوى رسوله الكريم عندنا، فرتَّب علينا هذا الفضل العظيم من ربنا، مسؤولية عظيمة أيضاً؛ علينا جميعاً القيام بها على الوجه الذي يرضي صاحب الفضل والمنَّة. ولهذا ليس غريباً أيضاً أن يبكي سلمان فرحاً بهذا التشريف العظيم، استشعاراً لنعمة الله وفضله، وفي الوقت نفسه، خوفاً من الله ألا نكون قد أدينا هذا الواجب العظيم على الوجه الذي يرضي خالقنا عزَّ و جل، أثناء إلقاء الأخ الشاعر الرائد مشعل بن محماس الحارثي قصيدته العصماء تلك في حفل الجنادرية الأخير، عندما قال مخاطباً المقام السامي الكريم:
خيَّالة العوجا على حرب وقتال
من دون بيت الله ومسجد نبَّيه
ورأينا الحالة ذاتها من التأثر والشعور بالمسؤولية بادية على وجه مقامه الكريم أيضاً أثناء قصيدة الشاعر العصامي ابن محماس في ختام مناورة رعد الشمال، كلَّما تحدث عن حمى مكة والمدينة ورعاية شؤون المسلمين والدفاع عن الإسلام، ثم يقف وهو الملك القائد المتواضع، ليصافح الشاعر مشعل بن محماس عندما جاء للتشرف بالسلام على المقام الكريم وعلى قادة دول التحالف، عقب إلقاء قصيدته، في تواضع لا أعرف له مثيلاً غير تواضع الرجل الصالح المؤسس عبد العزيز آل سعود. ومع هذا كله كثيراً ما يردد سلمان في تواضع القادة العظماء والعلماء الأجلاء:
وما أنا إلا من غَزِيَّةِ إن غوت
غويت وإن ترشد غَزِيَّة أرشدُ
وكنت أيضاً قد أشرت مراراً في مقالات سابقة إلى أن قائدنا الهمام سلمان، مهما فعل لن يدهشنا فعله، ولن نستكثر عظيم صنيعه، لأنه عوَّدنا على معالي الأمور منذ أول يوم تسنَّم فيه المسؤولية أميراً لمنطقة الرياض. فلا غرو إن رأيناه اليوم يقود تحالفاً قوياً بكل ثقله، لنصرة الأشقاء في اليمن الذي سلبه طمع صالح وتآمر الحوثيين كل معنىً للسعادة، وفي الوقت نفسه، يشارك بقوة في التحالف الدولي الذي يضم أكثر من ستين دولة لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق، ويجمع قواتٍ من عشرين دولة لتنفيذ مناورة عسكرية فريدة من نوعها في المنطقة، ويضطلع بواجباته فيستقبل يومياً تقريباً وفوداً من خارج البلاد وداخلها، بعد أن أصبحت بلادنا محوراً مهماً في سياسة العالم وتسوية أوضاعه، ويفكر ليل نهار في إدارة شؤون الدولة لتحقيق أقصى قدر ممكن من مصالح المواطنين، فيدمج هيئة الخطوط الحديدية وهيئة النقل العام في هيئة واحدة باسم (هيئة النقل العام)، ويستضيف أكثر من ثلاثة ملايين من الإخوة اليمنيين، ويسيِّر إليهم قوافل الإغاثة داخل اليمن وخارجها في جيبوتي، حيث يشيد لهم أكثر من ثلاثمائة وحدة سكنية بمواصفات عالية الجودة، كما يستضيف أكثر من مليوني سوري في بلاده، ويسيِّر إليهم أيضاً قوافل الإغاثة في تركيا ولبنان وحتى داخل سوريا نفسها، ويشيد لهم (4000) وحدة سكنية بالمواصفات ذاتها، ويوفر لليمنيين والسوريين على حدٍ سواء، حياة حرة كريمة، من إقامة وعمل وصحة وتعليم، دون أن يهلع أو يتذمر كما فعلت أوروبا بقضها وقضيضها، إذ ضاق صدرها بمليون مهاجر فقط، وهي (28) دولة، مع تشدُّقها بحقوق الإنسان والحرص على نصرة المستضعفين، مع أنها كانت سبباً جوهرياً في ما وصل إليه حال إخوتنا في سوريا بتآمرها تارة، ثم أخرى بتقاعسها عن نصرتهم وتجارتها بقضيتهم.
ومع هذا كله، لا يتنازل سلمان عن دوره الاجتماعي، مهما ازدحم جدول أعماله الرسمية، فيصلي على موتانا ويشيعهم معنا إلى مثواهم الأخير كعادته منذ أن عرفناه، ويزور مرضانا في المستشفيات، كما رأيناه مؤخراً إلى جوار شقيقه الأكبر، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز، ثم إلى جوار سرير الشيخ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد في مستشفى التخصصي بالرياض، ثم يطمئن عليهم في بيوتهم، مثلما رأيناه أيضاً بعد ذلك بأيام معدودة في بيت الشيخ ثنيان بن فهد الثنيان، واحتفاء أسرته به احتفاءً يليق برجل كبير مثل سلمان. وقد أحسنت صاحبة السمو الملكي الأميرة مضاوي بنت المنتصر بن سعود بن عبد العزيز، عندما حاولت التعبير عن مشاعرنا تجاه مليكنا المفدى والدنا سلمان، على شاكلة ما ذهب إليه أحمد الغزاوي تجاه المؤسس والد الجميع الملك عبد العزيز، إذ تقول في قصيدتها (نخوة سيد العرب) التي نشرت في جريدة الرياض، الجمعة 9/6/1437هـ، الموافق 18/3/2016م، العدد 17434، ص 5:
عشت يا سلمان سقم العدا سلمت يداك
العدا من قو باسك تموت بغلِّها
ما تجي معشار عزمك ولا تبلغ مداك
صيرمي كل صعب الأمور تحلها
ولا لنيران الحرايب ليَّا شبَّت سواك
الكبود تعلها واليدين تشلَّها
وأنت عزٍ للعروبة وعز اللي نخاك
ونخوتك يا سيد العرب جت في حلها
عاصفة حزمك وعزمك على الحوثي هلاك
خل من يتبع رداهم يعيش بذلها
وخل منهو خان بارضه يعرف دهاك
وهو منوَّل في نعيم الخليج وظلّها
التجهيزات اللوجستية
ليس ثمّة شك أن استضافة (350) ألف جنديّ من عشرين دولة، بثقافات ولغات وعقائد عسكرية ومفاهيم مختلفة، وتوفير كافة مستلزماتهم من مسكن ومأكل ومشرب ورعاية طبيّة، إضافة لمتطلبات زعيم عشرين دولة أيضاً، بجانب ضرورة حمايتهم، ليس ثمّة شك أن هذا الأمر يمثل تحديّاً حقيقياً لأية دولة، مهما كانت إمكاناتها وقدراتها، فضلاً عن توفير البيئة الملائمة لـ (2540) مقاتلة و (20) ألف دبابة و (460) مروحية ومئات السفن.
أقول، ليس ثمّة شك أن هذا الأمر يتطلب جهداً استثنائياً وعملاً دءوباً؛ وهنا تظهر القدرة الحقيقية لبلادنا، وصدق الإرادة. فانبرى صاحبا السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، ولي العهد، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية؛ والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، ينفذان توجيهات خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، القائد الأعلى لكافة قواتنا العسكرية، في عمل اللازم بالتعاون مع الجهات الأخرى المعنية.
فتم توفير كل الدعم اللوجستي المطلوب في وقت قياسي على أرقى المستويات، وتحولت منطقة حفر الباطن، ومدينة الملك خالد العسكرية على وجه الخصوص، إلى خلية نحل لا تهدأ ليل نهار. والحقيقة أن شعباً درج على استضافة ملايين الحجاج والمعتمرين، وتوفير كافة متطلباتهم لقرنٍ كاملٍ، لن يعجزه توفير الدعم اللوجستي لهذا العدد، الذي يعد متواضعاً مقارنة بملايين ضيوف الرحمن الذين يشرفوننا كل عام، حتى إن اختلف نوع الدعم اللوجستي المطلوب أحياناً. مما مكّن جميع القوات المشاركة في مناورة رعد الشمال، بكافة تشكيلاتها واختلافاتها، من أداء مهمتها بطريقة تفوق الخيال، أثلجت صدر الصديق و أوغرت صدر الأعداء. فادَّعوا في البداية أن الأمر لا يهمهم، ولا يشكل أي تهديدٍ أمام قوتهم (الرَّادعة)، ثم ما لبثوا أن هرعوا إلى الأنفاق لإجراء تجارب على صواريخهم البالستية، التي قطعاً لا نستهين بها مثلما حاولوا هم الاستهانة بقدراتنا، ولهذا كان أزيز رعد الشمال الذي لا يعدو كونه بداية الغيث، والقادم أعظم إن شاء الله، رسالة واضحة صريحة بالاستعداد التام للجم أي تهديد، والتعامل معه كما ينبغي.
والسؤال: إذا كانوا فعلاً غير وجلين، ولا يعيرون أدنى اهتمام لقوتنا وقدراتنا وصدق حزمنا ومضاء عزمنا، وتضامننا واستعدادنا للعمل فريقاً واحداً قوياً متماسكاً متفقاً متحداً، بإمكانات هائلة وقدرات بشرية متعلمة ومتدربة ومجهزة كأفضل ما يكون التجهيز، إذا كانوا حقاً غير وجلين، فلماذا إذاً هذا الذعر واستعراض العضلات بتجارب الصواريخ البالستية؟.
تقاطع مصالح الكبار
قلت وأكرر اليوم، وسوف أظل أعيد إلى أن يثبت لي العكس: الغرب يتعامل معنا بمقدار ما يتحقق له من مصالح جراء تعامله معنا، وقطعاً هذا من أبجدية السياسية الدولية التي تقوم أساساً على المصالح، لكن المؤسف أنهم يفعلون ذلك حتى إن اضطرهم الأمر أحياناً للتآمر علينا وطعننا من الخلف في مكان ما، ثم يعودون في مكان آخر معبرين عن صداقتهم لنا وإخلاصهم لعلاقتهم معنا وحرصهم على تحقيق (المصالح المشتركة)، ولهذا سأظل دوماً أحذر من نظرية المؤامرة، ولن أُوخذ على حين غرة، كما أخذ البعض بمكر الغرب، فأصبح يصف كل من يتحدث عن نظرية المؤامرة بالجهل، مؤكداً مبدأ الغرب الراسخ في نظرته إلينا، عَلِمَ ذلك من علمه وجهله من جهله. وسأكتفي هنا بأمثلة سريعة لما أقول، لما يحدث اليوم وأنا أكتب مقالي هذا.
فمع كل ما تعبر عنه الإدارة الأمريكية الحالية صباح مساء تجاه بلادنا من علاقات مميزة وشراكة إستراتيجية عتيقة، تعود لعام 1352هـ، (1933م) يوم وقعوا معنا اتفاقية التنقيب عن النفط، إلا أنهم تجاهلوا مصالحنا، فذهبوا لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران ورفعوا عنها الحظر دون تحديد آليات واضحة تحول دون امتلاك هذا الجار المشاكس للسلاح النووي الذي لن يقصر تهديده على أمن المنطقة فقط، بل يتعداه لتهديد العالم بأسره. وقطعاً، الخبر اليقين يوجد في الملحق السِّياسي السِّري الذي لن يفصح عنه أي طرف، ليس هذا فحسب، بل يأتي أوباما ليتحدث عن ضرورة السماح للجار الجانح (إيران) بإيجاد (سلام بارد) حسب تعبيره، يسمح لها بالشراكة في المنطقة، و تقسيم النفوذ. ولا ضير إن وصف الخميني أمريكا بــ (الشيطان الأكبر) ووصفها خليفته خامنئي بـ (الصنم الأكبر)، مادام الاتفاق النووي مع إيران يضمن لأمريكا مصالحها، بصرف النظر عمَّا يمكن أن يتعرض له أصدقاؤها في الخليج، إلى تواطئهم في عمل جاد لاجتثاث الإرهاب من العراق ورفع الضيم عن المستهدفين المظلومين فيه، وإيجاد حل حقيقي لمشكلة الشعب السوري الذي تقاذفته البحار وسدّت أوروبا الطريق في وجهه.
أما تشدُّد أمريكا تجاه حزب الله، مع تساهلها مع إيران، فليس اصطفافاً معنا تأييداً لموقفنا، بل دعماً لإسرائيل، وهو تماماً كالحق الذي أريد به باطل.. إلى قائمة طويلة عريضة من الممارسات السلبية لإدارة أوباما العرجاء، كما وصفها كثير من المراقبين المنصفين، حتى من خارج المنطقة، وأكتفي هنا برد أخي صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل على أوباما في جريدة الشرق الأوسط، الاثنين 14/3/2016 م، العدد 13621، ص 17: (لا.. ياسيد أوباما). وهو قطعاً رد كافٍ شافٍ بليغٍ.