ركضت إليّ طفلتي ذات الثماني سنوات بعد أن أغلقت باب الشارع بقوة صارخةً وهي تدور: ليتك معنا اليوم في المدرسة يا ماما! كانت إجابتها بعد أن سألتها عن سر فرحتها: أنها خرجت في نزهة قصيرة إلى الساحة الخارجية لمدرستها بمشاركة زميلاتها الطالبات اللاتي أحضرت كل واحدة منهن من منزلها فطورًا صحيًا عبارة عن صنفين أو ثلاثة وقدمنه لأنفسهن في صينية صغيرة وفي أطباق مزينة وتناولنه بمشاركة معلمتهن أثناء فترة الفسحة.
قلت في نفسي وأنا أرقب فرحتها ليتك يا صغيرتي تعرفين أن ما مارسته اليوم هو حق طبيعي لك ولكل أبنائنا وبناتنا في المدرسة، من حقك توفير وجبة صحية يومية متنوعة ومقدمة لك بشكل جميل، ومن حقك توفير مكان ملائم لجلوسك في مقاعد مريحة في ساحة المدرسة المزروعة بشيء من الشجيرات والورود العطرة.
المتبصر في واقع الخدمات الطلابية التي تقدم لأبنائنا في مدارس التعليم الحكومي العام يجد فيها قصورًا بيّنًا عما يستحقه أبناؤنا الطلاب، فمن ناحية المقاصف المدرسية حدث ولا حرج، جميع أفراد المجتمع -سواءً طلابًا أو أولياء أمور أو من منسوبي المدارس أو حتى مشرفين تربويين- جميعهم لا يختلفون على رداءة الأصناف المقدمة في المقاصف المدرسية وتدني الخدمات الغذائية فيها، إذ تفتقر هذه الوجبات للمواد الغذائية التي يحتاجها الطالب، حيث تحتوي على نسب عالية من الدهون والسكريات والمواد الحافظة، إلى جانب ارتفاع أسعارها.
تسهم برامج التغذية المدرسية في تعزيز استعداد الطالب للتعلم وزيادة قدرته على المشاركة في العملية التعليمية. كما تؤثر الأوضاع الغذائية للطلاب على نموهم الجسماني والصحي وقدرتهم على التعلم والتحصيل والتركيز وبالتالي تؤثر على معدلات المواظبة على حضور الدروس وتحصيلهم الأكاديمي بشكل عام.
ولا يخفى علينا أنه في الدول الغربية ذات الدخل العالي تتوفر خدمة التغذية المدرسية بوجبات متكاملة تطبق كامل الاشتراطات الصحية بصورة عامة لجميع الطلاب سواءً كانت بشكل مجاني مثل فنلندا والسويد، أو بمبالغ رمزية كما في فرنسا وإسبانيا.
أما لدينا فإن وزارة التعليم قامت بتسليم الخدمات الغذائية لمجموعة من الشركات والمؤسسات التي تولت توفير بعض الأصناف الغذائية لبيعها على الطلاب بأسعار تزيد عن أسعارها في الأسواق المحلية. إن تشغيل المقاصف المدرسية من قبل جهات أخرى غير وزارة التعليم يخفف عبء إدارتها عن الوزارة، لكن لا يعفيها من واجب المراقبة الدائمة والتقييم المستمر لأداء تلك الشركات والمؤسسات، والتأكد من تطبيقها لكافة الاشتراطات الصحية، والتنوع الجاذب في وجباتها، وعدم اقتصارها على مجموعة من الشطائر المحشية بأبسط المكونات، والمشروبات السكرية عديمة الفوائد الغذائية، والحلويات الغنية بالسكر والمواد الحافظة والمفتقرة لأي قيمة غذائية.
إن مراقبة تلك الشركات والمؤسسات المسؤولة عن التغذية المدرسية لابد منه للتأكد من تطبيقها لاشتراطات الوزارة بأعلى درجة من الجودة والاحترافية، لا أن يكتفى في تلك المراقبة بالحد الأدنى من درجات التنفيذ. حينها سنتمكن من المفاخرة بما يتلقاه أبناؤنا من خدمات يستحقونها، ونضمن هناك تحول مدارسنا إلى بيئات جاذبة يتسابقون صباحًا لارتيادها ويمتلؤون لها شغفًا وحبًا.