بينه وبين الموت لحظات حاسمة، تنازعه الحياة آخر ذبالاتها.. فيكاد الرجل المسجى أن يبوح بسر ظل يزعم أنه دفين، إلا أنه وعلى مدى عقود ظل يُسَوِّفُ ويماطل.
على هذا السرير المتصلب والجامد يذهب وعيه ويعود، يناور ما كتبت له المناورة. من يتحلق حوله من الأبناء يزعمون أن شيئاً من حطام الدنيا سينبئ عنه.. لكنهم يعرفون أنه شبه معدم.
ظل واحدٌ منهم على الحياد هناك، يرقب انكباب إخوته على والدهم المحتضر، لم يشأ أن يقترب منهم، بل تركهم.. علهم يكتشفون الحقيقة الجوهرية التي يزفرها هذا الرجل الذي أُنهك من سني التعب.
على أمل أن يقول الرجل المحتضر شيئاً لأبنائه عن سر دفين كان يقول لهم: (بعدين يا عيالي.. بعدين أقول لكم) وها هو يوشك على الرحيل.. فجأة فارق الأب الحياة دون أن يخطرهم بشيء!!
التفتوا إلى أخيهم في مكانه القصي، فما كان منه إلا أن أشار بثقة: أبي أذاع سره لي، ولن أقوله لكم الآن.. (بعدين.. بعدين يا إخواني) عادوا إلى أمهم.. أبانا لم يفصح، وأخونا بدأ بفصل جديد!!.. أجابت بتكهن: أما وإن ليس لديه مال فإنه ربما يريد منكم أن تقتربوا منه أكثر حتى يموت، وأما أخوكم فإنه يريد في هذا استمرار لحمتكم واجتماعكم.
- سامي الصفراني