د. عبدالواحد الحميد
يظل أداء فريضة الحج حلمًا يشغل خيال ملايين المسلمين في مختلف بقاع العالم، وأملاً يتطلعون إلى تحقيقه؛ فالحج هو الفريضة التي يتعيَّن على المسلم أداؤها مرة واحدة في العمر لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ ومن أجل هذا يدخر المسلم ما يستطيع من المال، ويقطع آلاف الكيلومترات قاصدًا بيت الله وأداء الفريضة العزيزة إلى قلبه، التي طالما حلم مدى العمر بأدائها.
هذه الفريضة التي تجمع ملايين المسلمين على صعيد واحد في زمن محدد، وفي بقعة مقدسة محدودة المساحة ومكتظة بهذه الملايين من مختلف الأعمار والأجناس واللغات والثقافات، لا يمكن أن تكون مجالاً للتسييس أو المزايدات أو التوظيف المذهبي.
ويمكن أن نتخيل ما يمكن أن يحدث من نزاعات بين الحجاج لو أن كل فئة من المسلمين انصرفت عن أداء الشعيرة إلى رفع الشعارات السياسية! فالعالم الإسلامي ممزق بالخلافات السياسية، وكثير من الدول الإسلامية فرَّقت بينها المواقف السياسية لدرجة القطيعة وعدم التبادل الدبلوماسي! كما أن المثقفين المسلمين تعصف بهم التيارات والمذاهب الفكرية. ولو أن الحج تحول من فريضة دينية إلى ساحة للمزايدات السياسية بين الحكومات الإسلامية والمثقفين وأصحاب المدارس الفكرية والمذهبية المختلفة فإن الحاج المسلم الذي جاء من أجل أداء الفريضة، والذي لا تعنيه الخلافات السياسية والمذهبية، سوف يُحرَم من أدائها في الأجواء الروحانية التي شدد عليها الإسلام من خلال الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة.
من أجل ذلك يجب أن تمتنع جميع الحكومات الإسلامية عن تسييس هذه المناسبة الدينية العظيمة، وأن تترك خلافاتها جانبًا، وتتيح لعموم المسلمين أداء فريضة الحج كما يجب أن تؤدَّى.
ومع الأسف الشديد، تحاول إيران دائمًا تعكير صفو الحج والحجاج بالشعارات السياسية التي توظفها لغايات معروفة، وهي بذلك تشغل الناس عن أداء حجهم، وتعمق الخلافات بين المسلمين. وقد أحسن المسؤولون عن الحج في بلادنا صنعًا عندما أوضحوا للإيرانيين أنهم يرحبون بأي إيراني يرغب في أداء فريضة الحج، لكن المملكة لن تسمح على الإطلاق باستغلال المناسبة للتوظيف السياسي.
المملكة يهمها أن يؤدي الحجاج مناسكهم بسهولة ويسر، وأن يعودوا من حيث أتوا سالمين وعلى خير ما يرام. والحكومة الإيرانية ما زالت تعيش - للأسف - في عالم من الشعارات والخيالات، وتحارب طواحين الهواء! وشتان بين من يتعامل مع الحج بمسؤولية ومن يتعامل معه على أنه مناسبة سياسية يجب استغلالها دون مراعاة للعواقب.