د. عبدالواحد الحميد
أيُّ إنسان مُعَرَّضٌ للوقوع في خطأ وارتكاب «زلة لسان»، ولكن عندما يكون هذا الإنسان رئيساً لوزراء دولة كبيرة مثل بريطانيا فإن الأمر يتجاوز حالة الإحراج التي قد يتعرّض لها إنسانٌ عادي عندما تبدر منه هفوة من النوع الذي يسميه الناس «زلة لسان».
رئيس وزراء بريطانيا الذي كانت بلاده تستضيف قمة عالمية لمكافحة الفساد غاب عن باله أن كاميرات التصوير تتعقبه أينما يذهب فأخذ راحته وهو يتبادل الحديث مع ملكة بريطانيا في حفل استقبال في القصر الملكي قائلاً إن أفغانستان ونيجيريا هما من أكثر البلدان فساداً وأنه يستغرب لماذا يشارك قادتهما في هذه القمة، الأمر الذي سبب له حرجاً كبيراً أمام رئيسي الدولتين اللذين كانا يشاركان في المؤتمر عندما تسرّب حديثه إلى وسائل الإعلام.
الفساد المستشري في نيجيريا ليس سراً، لكن في السياسة ليس كل ما يعرف يُقال علناً، فهناك تقاليد ديبلوماسية يحرص السياسيون على مراعاتها. غير أن الطريف في الأمر، وهذا هو المهم في الأمر، أن رئيس نيجيريا علّق على كلام رئيس وزراء بريطانيا قائلاً إنه لن يطلب اعتذاراً من رئيس الوزراء، ولكنه فقط يطلب من بريطانيا أن تعيد الأموال التي هربها نيجيريون فاسدون إلى بريطانيا فهي أموال نيجيرية مسروقة ويجب أن تعود إلى الشعب النيجيري.
كلام الرئيس النيجيري يُعَبِّر بدقة عن تناقضات كثيرة تحدث في دول غربية مثل بريطانيا، وعلى سبيل المثال فإن بريطانيا كانت ولا تزال تأوي بعض الأشخاص الذين لا يُخفون تعاطفهم مع القاعدة ومع التنظيمات الإرهابية، بل إن بعضهم يتلقون مساعدات من أنظمة الضمان الاجتماعي في تلك الدول! ومع ذلك تشجب بريطانيا وغيرها من الدول الغربية الإرهاب، وتتحدث دائماً عن ضرورة مكافحته!
بعض مؤيّدي القاعدة وغيرها من التنظيمات المتشددة الذين يعيشون في بريطانيا لا يخفون تعاطفهم مع تلك التنظيمات، وهم يظهرون أحياناً في البرامج التلفزيونية وتفضحهم أقوالهم وما يطلقونه من تصريحات تتطابق مع الأهداف المعلنة لتلك التنظيمات الإرهابية.
هذا السلوك من بريطانيا وبعض الدول الغربية وتعاطيها مع بعض الأفراد والتنظيمات المؤيّدة للإرهاب يشبه الحالة التي اشتكى منها الرئيس النيجيري، فرئيس الوزراء البريطاني ينتقد نيجيريا ويصفها بأنها فاسدة لكنه لا يتورع عن احتضان الفاسدين النيجيريين ولا يعيد الأموال التي سرقوها إلى أصحابها الحقيقيين وهم شعب نيجيريا.
إنني أعرف أن بعض ما نقوله في إعلامنا العربي ربما يدخل أحياناً في إطار ما يُسمى بـ«نظرية المؤامرة»، لكن ترحيب بريطانيا وغيرها من دول الغرب بالفاسدين وبمؤيّدي التنظيمات الإرهابية واحتضانها لهم يصعب فهمه، ولذلك فإن تعليق الرئيس النيجيري على كلام رئيس الوزراء البريطاني مُعبِّر وفي الصميم ويصف حالة محيرة يصعب فهمها!