د. عبدالرحمن الشلاش
عنوان المقالة عبارة عن سؤال يطرح بقوة في أوساط كثيرة، فهل هناك حالة من الازدواجية في شخصية شيخ داعية يفترض أن يسير على نهج محمد صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى دين الله، وهو منهج الرسول الذي ذكره الله تعالى في كتابه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. منهج الدعوة بالقدوة حيث نجح الدعاة الأوائل لأنهم طبقوه تمثلا في دعوتهم وفي حياة الزهد التي كانوا يعيشونها، وهي الحياة التي تصل إلى حد التقشف والزهد بالدنيا طلبا للآخرة, وخضوعا لله في ملكوته وتنفيذا لأوامره وتواضعا في التعامل مع عباد الله ورفقا بهم؟
للإجابة على هذا السؤال يجب أن نفرق بين نوعين من الدعاة أو الوعاظ أو المشايخ, وخاصة في هذا الزمن الذي اختلطت فيه الأوراق، والتبست الأمور على الناس لدرجة أن وجد من لا يفرق بين السمين والغث، والصالح والطالح والصادق والكاذب, ومن يصدر من علم واسع, ومن يفتي ويوجه ويدعو ويفعل ما يشاء رغم محدودية علمه وثقافته ومؤهلاته ليست أكثر من الصوت الجهوري والكلام الإنشائي واللسان الطويل.
النوع الأول من الدعاة هم من ساروا على نهج السلف الصالح لا يرجون من دعوتهم متاع الدنيا، وهم كالنجوم الساطعة رغم قلة عددهم لكنهم بعيدون عن الأضواء عندما تبحث عنهم تجدهم في المساجد وبين طلابهم يتسمون بالصبر ومجاهدة النفس والأمانة والإخلاص ولين الجانب والمجادلة بالتي هي أحسن والدعوة على بينة وعلم لا تفصل بين ما يحثون الناس عليه وما يطبقونه في حياتهم الخاصة, وهي حياة أشبه ما تكون بالانقطاع التام عن الصخب والضجيج. أي أنهم قدوات في القول والعمل.
أما النوع الثاني وما أكثرهم في هذا العصر وبمسميات كثيرة جدا. داعية، واعظ، فقيه، راقي، شيخ، باحث شرعي، مأذون انكحه، مستشار شرعي، مفسر أحلام . هؤلاء وأخص بالذات من يطلقون على أنفسهم دعاة باتوا يشكلون خطورة كبيرة بسبب ما يطلقونه من فتاوى عبر الإعلام رغم أنهم غير مخولين بالفتوى، بلغ التساهل منهم إلى الحد الذي فتح فيه بعضهم محلات لتسويق الفتاوى على الناس . يفتي ثم يتراجع ثم يعود وهكذا بين مد جزر ليصدروا لنا الفتاوى الشاذة والآراء التافهة وليس لديهم شيء أسهل من التراجع . هذا النوع الذي يجب الحذر والتحذير منه، فهو يعرف أن أي وظيفة تحت غطاء الدين وبخاصة الدعوة أسرع طريق للشهرة والأضواء وللثراء والعلاقات، وتكوين القواعد الجماهيرية المتيمة بحب الشيخ مستفيدين من انتشار الجهل، والأمية الثقافية، والقابلية الشديدة للتبعية، والعاطفة الدينية الجياشة والتي تضفي عليهم حصانة خاصة هؤلاء لديهم فصل كامل بين ما يدعون الناس إليه، وما يمارسونه في حياتهم الخاصة، لذلك ينظر لهم العقلاء بأنهم ليسوا في مكان القدوة. أحدهم يحذر الناس من الابتعاث، بينما يرسل أبنائه وبناته للدراسة في الخارج، ومن يدعو الناس للزهد بينما يعيش في حياته كل مظاهر البذخ والسفر إلى المصايف العالمية. يعيش الاختلاط في بيته وينهى الناس عنه. أنهم يعيشون الفصل بكل تفاصيله.