د. عبدالرحمن الشلاش
لا أدري لماذا حولتني رؤية المملكة 2030 إلى كائن حساس جداً من بعض السلوكيات غير السوية والتي أشاهدها أينما ذهبت. هناك رابط في ذهني بين رؤية طموحة لخلق مجتمع حيوي وواعي وبين واقع يحتاج لعمل كبير. رؤية جميلة من الناحية النظرية لكن في الواقع تواجهها تحديات كبيرة بدء بالجهاز الحكومي المترهل، ووعي اجتماعي هو في جزء كبير منه في أدنى مستوياته وأصحاب مصالح. يعني ببساطة لا بد من تنظيف الأرضية جيدا قبل الفرش. لدينا مساحة كبيرة من التفاؤل وبخاصة أن الرؤية نابعة من القيادة ومدعومة من أعلى مستوى في الدولة.
عندما تسير بسيارتك يفاجئك صاحب السيارة التي أمامك برمي مخلفاته من علب ومناديل حيث تتطاير في الهواء ثم يمضي في طريقه دون حياء، لو حاولت نصحه سيرد عليك بوقاحة وما شأنك أنت! ليصبح في نهاية الأمر صاحب الحق أما أنت فستتحول في نظره إلى شخص ثقيل و ملقوف وما عندك ذوق! ترى مثل هذا الشخص الملوث للبيئة هل تتوقعون أن لديه تصورا عن رؤية بلاده، وأنها تستعد بقوة للتحول الكامل بحلول 2030 بوطن طموح واقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي ؟ بمعنى آخر أن هذه السلوكيات المقبولة حاليا لدى البعض ستكون مرفوضة تماما من الحكومة والناس بعد سنوات وربما يعاقب عليها القانون الصارم!
في بداية الأسبوع الماضي ذهبت كي أتسوق من «السوبر ماركت» القريب من منزلي في أحد أحياء الرياض العاصمة، وأثناء التسوق هجم علينا ذلك الصوت المزعج والذي عكر الهدوء الذي يلف المكان، وإذ به شخص في نهاية الأربعينيات من عمره يصرخ في وجوه عمال المحل وبكلمات وشتائم وأوامر، استمر الحال لدقائق، وأثناء توجهنا لدفع الحساب أقبل هذا وبصحبته رجل طيب أقنعه بدفع الحساب.
أثناء دفع الرجل الطيب للحساب انهمرت الأدعية من فم المزعج كالمطر يدعي للطيب بطول العمر والرزق. تحول هذا الكائن العجيب من حالة الصراخ إلى حالة الهدوء لكن سرعان ما انقلب إلى أسوأ من حالته السابقة بمجرد دفع الحساب ومغادرة الرجل الطيب المكان فقد أنهال ببذاءته على المحاسب والعمال يعنفهم ويتهمهم. الشهادة لله أن العمال كانوا في قمة الأدب. أما أنا فكنت من فرط حساسيتي أردد في داخلي، كيف سيتحول هذا المخلوق الذي تجرد من الأخلاق والإنسانية.
أعرف أن مثل صاحبنا كثير. أذهب للحدائق والمتنزهات والأماكن العامة لتشاهد التشويه والتخريب ورمي القاذورات في كل مكان والمخلفات من قشور وفضلات وأعقاب سجائر رغم وجود سلال معدة وصناديق موزعة في كل مكان كيف سيتحول هؤلاء بسلوكياتهم غير الحضارية؟
كيف سيتحول الموظف الذي يعطل مصالح الناس ومعاملاتهم سواء كان كبيراً أو صغيراً؟ كيف تعالج تلك الأمراض المنتشرة في جسد الجهاز الحكومي لتكون تلك الأجهزة الحكومية دعامة رئيسية لتحقيق الرؤية الحلم؟ منها البطالة المقنعة والواسطات والمحسوبيات وبطء الإجراءات وغياب المعايير و الانضباط! سلوكيات سيئة معيقة لأي تحول طموح. قد يكون تطبيق النظام بقوة أحد الحلول الحاضرة، وقد تكون التوعية وربما حلول أخرى كثيرة في أذهان المسؤولين لعلها تهيئ الأرضية الصلبة لمجتمع حيوي ووطن طموح.