د. عبدالرحمن الشلاش
أحسنت الدولة حين صدر الأمر الملكي الكريم بإنشاء الهيئة العامة للترفيه حيث قوبل الخبر بارتياح نسبة كبيرة من السعوديين وخاصة الفئة المحرومة من سنوات طويلة من وسائل الترفيه الحقيقية، وحينما أقول الترفيه فلا أعني به تلك الحدائق المتناثرة في أحياء بعض المدن الكبيرة وهي غالبا تشتمل على بعض المراجيح والعشب الأخضر والذي يتحول في كثير من الأوقات لملاعب للصغار يتقاذفون فيها الكرة لتأتي بين فينة وأخرى على رؤوس الجالسين من الكبار.
مفهوم الترفيه أشمل من ذلك بكثير أي أن الوسائل الموجودة لا ترقى إلى الحد الأدنى الملبي لرغبات الشرائح محدودة الدخل، ولن أتحدث عن الأغنياء فهؤلاء أساسا لا يذهبون لتلك الأماكن. الترفيه بمفهومه الواسع يدخل السعادة والبهجة في النفوس المتعبة لذلك لا بد أن يلبي احتياجات كل الناس في أوقات فراغهم اليومي أو الأسبوعي أو الشهري أو الموسمي. من أشكال الترفيه ما كان موجودا قبل أن يقوضه من يرون فيه مضيعة للوقت والمال، ومن يرون تحريمه بكافة أشكاله وصوره. كانت السينما وكذلك المسرح والكوميديا وألعاب السيرك في بعض المدن قبل إغلاقها والحفلات في زمن مضى، وعلى استحياء توجد حاليا بعض المتاحف المتواضعة، وقاعات القراءة المهجورة وحفلات الصيف المملة وغير الجاذبة لذلك تحول الترفيه في حياة السعوديين إلى مشكلة كبرى تحت عنوان «أين نذهب؟»، سؤال مزعج للآباء والأمهات في مطلع كل إجازة وتأتي الإجابة لا ندري فكروا معنا، وقد تأتي الحلول المقترحة، مطعم، مول، حديقة المهم الخروج من جو البيت!
لندرة خيارات الترفيه وخاصة الجاذب منها تحزم الآلاف من الأسر حقائبها في كل إجازة لتهرب عبر الحدود الجوية والبرية بحثا عن ساعات يرفهون بها عن أنفسهم، وفي المقابل يدفعون مئات الملايين لصناع الترفيه خارج الحدود. في العام الماضي أنفق السياح السعوديون 100مليار ريال في رحلاتهم و كان البلد أولى بها. لن أتحدث طويلا عن حاجة الإنسان للترفيه وأنه جزء هام للبناء التربوي والبدني والنفسي والاجتماعي للإنسان حيث يجلب المتعة ويجدد النشاط ويغير إيجابيا في روتين الحياة والذي قد يصل بالفرد إلى حد الملل. في الترفيه خروج عن أجواء العمل والدراسة ومعمعة الحياة المليئة بالصخب و الضجيج و الارتباطات العملية التي لا تنتهي فتبعد الأب والأم والأولاد عن أجواء الأسرة و حميمية اللقاءات.
هناك عوامل كثيرة أثرت على الترفيه داخل المملكة منها التحريم سدا للذرائع، والزهد في الحياة والحث على عدم الاستمتاع بها من قبل فئات محدودة تنظر إلى أن الحياة لا تستحق أن نضيع أوقاتنا في الترفيه واللعب فهي فانية وعلى الفرد أن يكون متقشفا زاهدا بمتاعها الزائل راغبا في الآخرة، رغم أن الدين لا ينهى الإنسان أن يستمتع بوقته وبما أحل الله له، وهناك من يرى في الترفيه سماجة وقلة عقل ولهو فارغ إلى آخر القائمة الطويلة التي حولت الترفيه في حياة معظم السعوديين إلى حلم بعيد المنال!
أحسنت الدولة بإنشاء هذه الهيئة التي أتمنى أن تقوم بتقديم الترفيه الملبي لحاجات الناس كل الناس. أمامها تحديات نعم، لكن الإرادة تصنع المعجزات.